رحلتي العجائبية مع مقولة ( لولا علي لهلك عمر )
مقال فضيلة الشيخ الدكتور طه حامد الدليمي
عند ظهر اليوم وجدت على الهاتف رسالة من صديق يعرض عليّ كتابة بحث في إبطال المقولة المنسوبة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : (لولا علي لهلك عمر).
مقولة شائعة تكاد تكون على كل لسان. أقصد لسان السنة، قبل الشيعة.
وانظر فأرى المقولة تدخل في ذلك السياق الخطير نفسه.. تكريس التشيع الثقافي تمهيداً للتشيع العقائدي، عن طريق التركيز على شخص علي ومن آل إليه وجعله على كل لسان.
وإليكم رحلتي مع هذه المقولة خطوة خطوة دون أن أدري حتى الآن شيئاً ذا بال عما سأجده من تفاصيل، أنقل خطواتها بأمانة:
الخطوة الأولى :
أول ما صادفني في طريق البحث سؤال يوجه إلى (لجنة الفتوى بالشبكة الإسلامية)، عمن قالها؟ ويأتي الجواب عن (المفتي) الذي لم تفصح عنه (الشبكة): (إن هذه المقولة قالها أمير المؤمنين عمر ). هكذا بأسلوب التوكيد والجزم (إن هذه المقولة قالها أمير المؤمنين عمر ). طيب، وما الدليل؟ يكمل (المفتي): (كما نقله ابن عبد البر في الاستيعاب). ويختم بقوله: (والله أعلم)([1]). طيب.. وأنت! ألا تعلم؟ أو بالحري: ألا تفهم؟!
الخطوة الثانية :
وعدت أبحث عن تاريخ وفاة ابن عبد البر فإذا هو سنة (463 هـ). وحسبت.. إن بينه وبين وفاة عمر بن الخطاب (441) سنة. قلت: لعل هناك سنداً يعتذر به الرجل عما نقله، و(من أسند فقد برئت ذمته) كما يقولون! وذهبت إلى كتاب (الاستيعاب) لعلني أستوعب ولو شيئاً من هذا العبث الفكري بعقول أبناء السنة.
(أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه)! كان أول ما صدمت به في الصفحة المجاورة للصفحة التي نقش فيها ابن عبد البر تلك المقولة. ما هذا؟! مذيلة بمقولة أخرى: (وقال عمر بن الخطاب: علي أقضانا، وأُبَي أقرأُنا، وإنا لنترك أشياء من قراءة أبي). هل انتبهت إلى اللغم الكامن في آخرها: (وإنا لنترك أشياء من قراءة أُبَي)! طيب وأقضية علي، ألا تتركون منها شيئاً؟ كيف تتركون أشياء من قراءة أُبَي وهو صحابي لا ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي شيئاً برأيه؟ ولا تتركون من أقضية علي وهي اجتهاد بشري يجوز عليه الصواب والخطأ؟ إلا أن يكون معصوماً، وهذا ليس من ديننا. وإن قيل: المقصود بالقراءة قراءة القارئ/أُبي مما يصدر عنه تبعاً للهجته، لا بالمقروء الذي هو القرآن. قلنا ليس هذا هو المهم عند من صنع هذه المقولة. هو يبني على المتبادر أو المفهوم الذهني لدى القارئ؛ فينصرف معنى (قراءة) عملياً في ذهن القارئ إلى القراءة والمقروء كليهما. وهو المطلوب عند (الصانع)!
في طريق البحث صادفني قطار من الخزعبلات من مثل: روى أبو داود الطيالسي عن ابن عباس أن رسول الله قال لعلي بن أبي طالب: أنت ولي كل مؤمن بعدي. وعن سلمان الفارسي عن النبي أنه قال: أول هذه الأمة وروداً على الحوض أولها إسلاماً: علي بن أبي طالب.
وعادت إلى ذهني أطياف جلسة بمطعم في دمشق صيف 2005، وبقايا مقولة أنكرها عليّ بعض الحضور: (التشيع صناعة سنية).
حركت نظري قليلاً إلى الأسفل.. الحمد لله؛ هذا هو السند الذي أبحث عنه: قال أحمد بن زهير: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، حدثنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن. فكان عمر يقول: لولا علي لهلك عمر.
سند المقولة
وقبل كل شيء تلقفت شبكتي واحداً منهم: (مؤمل بن إسماعيل)! أحد رواة حديث (خلافة نبوة ثلاثين عاماً ثم يؤتي الله الملك من يشاء). فمن هو مؤمل بن إسماعيل؟
قال الحافظ ابن حجر (تهذيب التهذيب:10/381): قال البخاري: (أما ابنه فقال: نحن من صليبة كنانة، قال وحدثني من أثق به أنه مولى لبني بكر. وقال عنه البخاري: منكر الحديث). فهو مولى، وابنه كذاب يزعم الانتساب إلى أصل كنانة. قال عنه البخاري: منكر الحديث. ومن وصمه البخاري بهذه السمة لا يبرأ منها. فكفى بها تضعيفاً. لكن دعونا نتزيد مما قاله ابن حجر:
(وقال سليمان بن حرب: كان مشيختنا يوصون به إلا أن حديثه لا يشبه حديث أصحابه، وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه، وهذا أشد فلو كانت هذه المناكير عن الضعفاء لكنا نجعل له عذراً.
وقال الساجي: صدوق كثير الخطأ وله أوهام يطول ذكرها. وقال ابن سعد: ثقة كثير الغلط. وقال ابن قانع: صالح يخطئ. وقال الدارقطني: ثقة كثير الخطأ. وقال محمد بن نصر المروزي: المؤمل إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقف ويثبت فيه لأنه كان سيئ الحفظ كثير الغلط. وثقه ابن معين وإسحاق بن راهويه. وقال ابن حبان في الثقات: ربما أخطأ. وقال أبو حاتم: صدوق شديد في السنة كثير الخطأ). وأترك التعليق لكم.
وهذا يكفي في هدم أساس المقولة. لكن عجائب الرحلة تغريني بالاستمرار فيها:
الخطوة الثالثة :
صحيح أن رواية ابن عبد البر عن أحمد بن زهير أول المذكورين في السند جاءت بلفظ (قال) فمست نفسي بشييء من الشك، لكنني تناسيته استبعاداً لكون ابن عبد البر يمكن أن يرتكب مثل هذا التدليس من أجل أن يمرر ما أراد روايته عن علي. وبينما أنا أكتب الكلمات السابقة أثارني قلة عدد الرواة بين عمر بن الخطاب وابن عبد البر! فقررت أن أحسب معدل الفترات الفاصلة بين كل راوٍ وراوٍ حتى تصل المقولة إلى ابن عبد البر فقسمتها على عدد الرواة فإذا هي (73) سنة! أي إن الراوي يحتاج كي يوصل المقولة إلى من بعده (73) سنة. كما يعني أن الرواة جميعاً لا ينبغي أن يكون عمر أحدهم أقل من هذا العدد من السنين. وهذا غريب؛ والتحقيق كاشف. ولا أدري هل سأفلح في التحقيق أم لا؟
الخطوة الرابعة :
على أنني منذ البداية – كما أخبرتكم آنفاً – انتبهت إلى أن ابن عبد البر لم يصرح بسماعه من الراوي الأول إنما قال: (قال أحمد بن زهير)، فلو كان قد سمعه منه مباشرة لصرح فقال: (حدثني)، كما هي عادته، ولم يلجأ إلى لفظ محتمل.
توكلت على الله وقلت لأبحث عسى أن أقع على شيء. وفتحت موسوعة (سِيَر أعلام النبلاء). لا أدري لم أخطأت فكتبت في محرك البحث اسم عبيد الله بن عمر القواريري، ولم أبدأ بأحمد بن زهير! قلت: لا يُهم؛ أين يذهب مني؛ سأعود إليه. ومن أول وهلة كانت الصدمة! يقول الذهبي (11/442): القواريري عبيد الله بن عمر بن ميسرة ولد سنة 152 تقريباً! فإذا تذكرنا وفاة ابن عبد البر قضي الأمر، وتحقق الشك؛ فالرجل إنما جنح إلى التورية دون التصريح؛ لأنه لم يدرك أحمد بن زهير. وضحكت؛ ويحك يا ابن عبد البر إن بينك وبين الرجل (311) سنة!
لم أكتف بهذا حتى عدت أبحث عن سنة وفاة أحمد بن زهير. لكنني وجدت ما يغنيني عن عناء البحث عنها. إن الرجل يُكثر من قوله: (سمعت يحيى بن معين). إذن هو من تلاميذ ابن معين، وابن معين توفي سنة (233 هـ). لقد قضي الأمر حقاً، وتم التحقق من انقطاع السند بين ابن عبد البر وأحمد بن زهير.
وبحثت فوجدت ابن تيمية يقول (منهاج السنة النبوية:6/45): قال الرافضي: وأمر برجم مجنونة، فقال له علي : إن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، فأمسك، وقال: لولا علي لهلك عمر. والجواب: أن هذه الزيادة ليست معروفة في هذا الحديث.
الخطوة الخامسة :
وقبل أن أكمل الخوض في هذه الظلمات الشائكة، تذكرت – حين وجدت الأمر قد آل إلى ابن عبد البر – أن الرجل موصوم بالتشيع. وها أنا أعود إلى مدوناتي السابقة لأرى في أي كتاب أودعت هذه المعلومة؟ فوجدتني قد أثبتّها في كتابي (شقوق في جدار السنة) عن شيخ الإسلام ابن تيمية إذ وصفه (منهاج السنة النبوية:2/373) بالتشيع.
إذن هذا هو السبب الذي دفع ابن عبد البر لأن يقفز مئات السنين قفزة واحدة نحو أحمد بن زهير متجاوزاً تلك الهوة العريضة التي تفصل بينهما دون أن يقوم بردمها! ولإن كان هو قد نجا منها بعلمه فلم يترفض فلقد سقط فيها الملايين فتشيعوا ذلك التشيع الذي يمهد للرفض والخروج من الملة. والله وحده يعلم كم من الأمة ترفضوا بسبب هذه المقولات التالفة، التي يكتبها المحدثون والفقهاء دون أن ينتبهوا إلى خطورتها البالغة.
غفر الله لك يا ابن عبد البر؛ لماذا أتعبتني بمثل هذه الترهات؟! لقد سرقت مني ست ساعات من عمري بين البحث والتدقيق والتنقيح، وإعداد ما كتبت كمقالة صالحة للنشر بعد أن أودعتها كتاب الذي تحت التأليف (شقوق في جدار السنة). لكن لا بأس؛ السنة وأهل السنة يستحقون أكثر من ذلك. وصدق أخي أبو محمد الجنابي يوم قال: مهمتنا ليست تسنين الشيعة، إنما تخليص السنة مما دخلهم من تشيع.
وغفر الله لك يا صديقي!
5 نيسان 20 20
من جدار الاخ الفاضل عبد الله الجبوري
#أمويون
الانقلاب الثاني : الجيش السبئي الذي قاده علي بن ابي طالب
https://ahmadjouma.blogspot.com/2023/04/blog-post_90.html
مسلسل معاوية: دور البطل بولس الشيعة
https://ahmadjouma.blogspot.com/2023/04/blog-post_85.html
تجفيف منابع الاختراقات السبئية - خرافة مصطلح "آل البيت"
https://ahmadjouma.blogspot.com/2023/04/blog-post_71.html
وصفة أموية لتفكيك المنظومة السبئية
https://ahmadjouma.blogspot.com/2023/04/blog-post_8.html
إعادة كتابة التاريخ
https://ahmadjouma.blogspot.com/2023/04/blog-post_74.html