الجزء الأول: الحكم
الحمد لله ربّ العالمين الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين مبشّرا وهاديا وعلى ءاله وأصحابه أجمعين.
هناك ثلاثة أنواع في فئة تاركي الصلاة، وليس لأحد الحكم على أحد من هذه الفئة بالكفر أو بالإسلام، إلا بعد تبيّن حاله.
فالنوع الأوّل: تارك الصلاة جحودا وإنكارا، أي لا يصلي لأنه يعتقد أنّ الصلاة غير واجبة أصلا، فهذا النوع أنكر شرعا معلوما من الدّين بالضرورة وأنكر من خلاله ءايات من القرءان، وأنكر أيضا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا كفر بالله وبكتابه وبرسوله، فهذا النوع كافر، وبالتالي تنطبق عليه أحكام الكفار من حيث معاملات الزواج والتجارة وأحكام المواريث وأحكام الجنازة من تكفين وتغسيل وصلاة جنازة... إلخ.
النوع الثاني: تارك الصلاة كسلا، أي يكسل عن الصلاة لكنه يعتقد وجوبها، ويؤمن بآيات الله فيها وبأحاديث النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا ينكرها ولا ينكر منها شيئا، فهذا النوع، ليس بكافر ولكنه مسلم عاص غلبته نفسه عن نفسه، وهو يحتاج إلى علاج لكسله، فهذا النوع من تاركي الصلاة مسلم تنطبق عليه جميع أحكام المسلمين في المعاملات والزواج والتجارة والمواريث وصلاة الجنازة وغيرها... وإن مات على حالته من الكسل على الصلاة، فهو مسلم يغسّل ويكفّن ويصلى عليه ويُدفن في مقابر المسلمين بنطقه للشهادتين.
النوع الثالث: تارك الصلاة عجزا، أي تجد لديه رغبة في الصلاة ويسعى إلى أدائها فينجح مرة ويخفق مرار، ونتيجة لذلك نجده يصلي فترة وينقطع عن الصلاة فترة أخرى، وهذا النوع هو الغالب على المسلمين اليوم، وهم مسلمون في قلوبهم إيمان ينقص ويزيد، فإذا نقص عنده الإيمان ترك الصلاة، وإذا زاد عنده الإيمان عاد إلى الصلاة، ونجد لديهم جميعا علامة مشتركة، وهي أنهم حين يعودون إلى الصلاة، ينوون ويعزمون على عدم تركها، ويصرّون على أدائها بقلوبهم ونيّاتهم، ويحدّثون أنفسهم: هذه المرة لن أترك الصلاة أبدا مهما حدث، لكن يغلبهم العجز في أغلب الأحيان وينقطعون عنها لمدة ثمّ يعودون، وهكذا، وأيضا لهم علامة ثانية، وهي الشعور بالذنب، فغالبا ما يكون هذا النوعُ شديدَ الحياء من الله، إلى درجة أنه يفضل عدم سماع الأذان أو القرءان في فترة انقطاعه خجلا من الله لا كرها للأذان أو للقرءان، فهذا النوع ليس كافرا ولا منافقا، لكنه مسلم في قلبه إيمان، وبالتالي فهو مسلم تنطبق عليه أحكام المسلمين من معاملات ومواريث وتغسيل وتكفين وصلاة جنازة ويُدفن في مقابر المسلمين.
الجزء الثاني: العلاج
بالنسبة للنوع الأوّل، وهو تارك الصلاة كفرا وإنكارا لكلام الله وأمره، فلسنا نطالبه بالصلاة، ولكن ندعوه إلى الإسلام ونطق الشهادتين أوّلا.
بالنسبة للنوع الثاني، وهو تارك الصلاة كسلا، ليس له من علاج بعد الاستعانة بالله والإلحاح في الدعاء، سوى الصحبة الصالحة التي تعينه على نفسه، مع كثرة التردّد على المسجد، وهذا النوع هو الذي قيل فيه: حكمه أن تأخذه معك إلى المسجد، لا أن تكفّره وتعين الشيطان عليه.
بالنسبة للنوع الثالث، وهو تارك الصلاة عجزا، ففي هذا النوع والفئة من المسلمين بعض تفصيل، وفي هذا النوع أيضا يظهر عجز كتب الفقه القديمة، عن إيجاد الحلول، نتيجة عدم إدراك مقاصد الشريعة، بعدم عدم تدبّر القرءان العظيم والأحاديث النبوية وإمعان النظر فيها، وبالتالي عدم فهمها الفهم السليم.
ذلك أنّ العجز الذي يصيب هذا النوع في أداء الصلاة، مأتاه ومصدره أذى شيطانيّ (يختلف من شخص إلى ءاخر)، فكلّ عاجز عن الصلاة، هو مسلم يعاني من أذى شيطاني، يمنعه عن المداومة على الصلاة، مع وجود الرغبة في أدائها والمحافظة عليها.
وفي هذه الفئة من المسلمين، جاء الحديث النبويّ الشريف حَكَمًا وفيصلا وقاطعا، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: رُفِعَ الْقَلَمُ عن ثلاثة: عن النائم حتى يَسْتَيْقِظَ، وعن الصبي حتى يَحْتَلِمَ، وعن المجنون حتى يَعْقِلَ (وفي رواية: رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةِ: عن الصبيِّ حتى يبلُغَ، وعن النائمِ حتى يستيقظَ، وعن المجنونِ حتى يُفيقَ)
وتارك الصلاة عجزا، هو المقصود الأوّل بالمجنون حتى يعقل أو حتى يفيق، ثمّ يليه كلّ عاجز عن بقيّة العبادات بالترتيب من زكاة وصيام وحج ونوافل وسنن... إلخ، ثمّ يليه كلّ عاجز عن الابتعاد عن المعاصي مع وجود الرغبة في الابتعاد عنها، سواء كانت المعصية شرب خمر أو زنا أو سرقة أو غيبة ... إلخ، وما يعنينا في هذا الموضع تحديدا: الصلاة.
حين نسمع بعض أهل العلم يشرحون هذا الحديث، أو نقرأ في كتب الفقه، وأصول الفقه بشأن الأحكام التكليفيّة والأحكام الوضعيّة، لا نجد من يتعرّض لهذه المسألة بالتفصيل، من خلال الحديث النبويّ الشريف، ولكن بالمقابل نجد فهما عقيما، وتفسيرا سطحيا، تسبّب في تكفير المسلمين لعدم مداومتهم على صلاتهم والمحافظة عليها، وتسبّب في الصدّ عن سبيل الله، وتنفير المسلمين وجعلهم ييأسون من رحمة الله، إضافة إلى تفاقم الأذى، إلى أن يبلغ درجة الأمراض العضوية الخبيثة، ويتسبّب في ازدياد عدد العاجزين عن الصلاة في أمّة سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم.
الجزء الثالث: تفسير الحديث:
نقرأ دائما أنّ تارك الصلاة كافر، مع اختلاف في نوع هذا الكفر عند المذاهب، هل هو كفر يُخْرِجُ من الدين والملة أم لا؟ استنادا لحديث النبي صلى الله عليهوسلمت: إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر. (وفي تفسير هذا الحديث تفصيل وشرح يطول ليس هذا موضعه)
ونقرأ أيضا في كتب الفقه أو الأحكام، أنّ القلم رُفِعَ عن المجنون حتى يعقل أو يُفِيق، ونقرأ ونسمع شرحهم لهذا الحديث، أنّ المجنون إذا ارتكب إثما أو ذنبا لا يٌكتب عليه حتى يعقل أو يفيق، لكن من هو المجنون؟ هنا يظهر عدم الفهم، وخطأ تفسير الحديث.
فالتفسير الوحيد في كتب الفقه أو الأحكام، الذي نجده، أنّ المجنون هو الذي فقد عقله، ثمّ يقولون حتى يعقل، أي: يعود إليه عقله.
لكنني أطرح سؤالا على كلّ ذي عقل وكلّ باحث عن حقائق الأمور: هل سمعنا عن أحد فقد عقله ثمّ عاد إليه عقله؟
إنّ الذي يفقد عقله كمن فارقت جسده الروح فلا تعود إليه إلا يوم الحساب، فمن فقد عقله لا يرجع عقله ولا يعقل إلا يوم القيامة لربّ العالمين.
إذن من هو المجنون؟
المجنون: أصل الكلمة وجذرها في لسان العرب هو جَنَنَ، ومعناه الستر، أي الحَجْبُ، ومنه سمّي الجنّ جنّا لأنهم محجوبون عن العين، وقد كان العرب في الجاهلية والمشركون في كلّ زمان، يؤمنون بفعل الجنّ أكثر من إيمانهم بالله، ومن هنا نفهم إسناد المشركين الجنون لأنبيائهم، فقد قال تعالى في سورة الذاريات المباركة: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ).
فمثلا فرعون قال عن سيّدنا موسى مجنون، في سورة الشعراء المباركة يقول الله تعالى: (قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ)، فلو كان الجنون هو ذهاب العقل فكيف يتحدث ويحاور ويجادل من ذهب عقله؟ بل كيف يطلب منه ءاية ومعجزة؟، فبعد أن اتهم فرعونُ موسى بالجنون، حاوره وجادله وطلب منه ءاية كدليل على صدقه، فقال فرعون لسيدنا موسى كما أخبر الله تعالى عنه: (قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) بل أكثر من ذلك، كيف يسعى لقتل من فقد عقله؟
وكذلك قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي سورة الحجر المباركة قال الله تعالى عن المشركين: ( وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ)، ومرة أخرى لو كان الجنون هو ذهاب العقل، فكيف يخاطب ويحاور مشركو قريش وهم بلغاء العرب وأفصحهم من فقد عقله؟؟؟ وكيف يطلبون معجزة وبيّنة من فاقد لعقله؟ وكيف يحاربون من فقد عقله؟
فظهر من هذا، أنّ الجنون ليس ذهاب العقل، فمن ذهب عقله لا يُناقَشُ ولا يُحاوَرُ ولا يُطالَبُ بالبينة أو المعجزة ولا يُحارَبُ.
المجنون على الحقيقة هو من أُصيب بأذى من شياطين الجنّ، وسبب نسبة الجنون إلى الرّسل من طرف المشركين، أنّ المشركين يؤمنون إيمانا مطلقا بفعل الجنّ ويستعينون بهم ويعتقدون فيهم الضرّ والنفع.
لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حتى يعقل، أي: يذهب عنه أذى الجنّ الذي أصابه، فيعقل أي يذهب عنه ما يستر عقله من أوهام مختلفة، وفي رواية حتى يفيق، أي: يبرأ من إصابته ويفيق من بعض أوهامه.
ذلك أنّ الذي يمنع المسلم عن المداومة على صلاته في الحقيقة مجموعة أوهام، فيتوهّم أنّه لا يستطيع الوضوء أو الاغتسال أو يتوهّم أنه لا يستطيع الوقوف لأداء الصلاة بسبب بعض ءالام في ظهره، أو يتوهّم أنه لا وقت لديه لأداء صلواته بسبب كثرة المشاغل، أو يتوهّم أنّ صلاته باطلة إذا كانت قضاء، أو يتوهّم أنّ صلاته غير صحيحة إذا كانت بلا خشوع... وكلها أوهام
فمن يتوهّم أنّه لا يستطيع الوضوء، إذن كيف يستطيع الاستحمام؟
ومن يتوهّم أنه لا يستطيع الوقوف للصلاة، فكيف يقف ويمشي لمسافات طويلة دون أن تمنعه أوجاعه؟
ومن يتوهّم أنه لا يجد الوقت لأداء صلاته، فكيف يجد الوقت لقضائه فيما لا يعني؟
إلى ءاخر هذه الأوهام المختلفة، فأذى الجنّ يستر عقل المسلم عن رؤية الحقيقة، فإذا ذهب عنه هذا الأذى عقل الحقائق واكتشف الوهم، واجتنبه، وهذا في الحقيقة هو مفهوم كلمة اللبس أي: اختلاط الحق بالباطل.
إذن، نتيجة لكلّ ذلك، ما معنى (رُفِعَ القلمُ) في الحديث الشريف، لاحظوا معي الحديث الشريف كاملا:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: رُفِعَ الْقَلَمُ عن ثلاثة: عن النائم حتى يَسْتَيْقِظَ، وعن الصبي حتى يَحْتَلِمَ، وعن المجنون حتى يَعْقِلَ.
الأوّل نائم، لكنّ نومه لا يمنعه من أداء الصلاة إذا استيقظ، فهو مطالب بالصلاة قضاء بعد استيقاظه، عاقل طرأ عليه حادث شغله عن الصلاة وهو النوم
الثاني: صبيّ لكنّ صباه لا يدوم، فسيبلغ الحلم ثمّ يؤدّي صلاته، عاقل بحسب سنه ومرحلة نموّه يمرّ بمرحلة لا توجب عليه الصلاة وهي: الصبا
الأوّل والثاني طرأت عليهما أمور تمنعهما من الصلاة لكن لا تسقط عنهما إذا زالت تلك الطوارئ.
فوجب أن يكون الثالث عاقلا مأمورا بالصلاة لا تسقط عنه، فكيف يجمع النبيّ الكريم وهو أبلغ البلغاء عاقلين (مع اختلاف ضوابط العقل) مع من فقد عقله تماما؟ وكيف يجمع من تجب عليه الصلاة بمن تسقط عنه الصلاة؟؟؟؟؟؟؟
إذن، (رُفِعَ القلمُ) لا تتعلق بالأحكام التكليفية، ولا يعني سقوط تلك الأحكام، كما يتوهّم كثير من أهل العلم، ولكن (رُفِعَ القلمُ) تتعلق بالأحكام الوضعيّة، مع ثبوت الأحكام التكليفيّة ووجوبها.
ومعنى هذا الكلام باختصار أنّ الصلاة حكم تكليفيّ أي: أمر الله تعالى وجوبا على عباده المكلفين، لا عذر لأحد في تركها إلا الصبيّ حتى يبلغ أو من فقد عقله على الحقيقة لا توهّما، أمّا المريض والمجنون والأعمى والمقعد فلا تسقط عنهم الصلاة، لكن ما يسقط هو الحكم الوضعيّ.
فالطهارة حكم وضعيّ لأنها شرط من شروط الصلاة، وقد يطرأ مانع للطهارة فيُعوّض بالتيمّم والوقوف للصلاة حكم وضعيّ، لأنها من شروط صحة الصلاة، وقد يطرأ مانع للوقوف بسبب شلل أو مرض أو غيره، فيُعوّض بالصلاة قاعدا أو متكئا حسب حالة المريض.
فالحكم التكليفيّ في الصلاة واجب لا يتغيّر ولا يُعَوَّضُ، لكن شروط الصلاة وصحّتها أحكام وضعيّة، يمكن أن تعوّض بما يناسبها، كالتيمّم يعوّض الوضوء والجلوس يعوّض القيام، وفي النهاية تبقى الصلاة واجبة لا تسقط.
هنا، وفي هذه النقطة، يظهر عدم فهم كثير من الفقهاء للمسألة، ممّا أدّى إلى تكفير المسلمين وجعلهم مضطربين، مذبذبين بين معرفتهم بوجوب الصلاة وبين عجزهم عن أدائها، فلا الفقهاء سهّلوا للمسلمين أمور دينهم، ولا عاشوا معهم مشاكلهم وعرفوا حقيقة الأمر حتى يصلحوا، ولا المسلمون العاجزون عن أداء الصلاة حافظوا على صلاتهم، فبأيّ حق يكفّرونهم وبأيّ حق يحاسبونهم؟
الجزء الرابع: حل الإشكال:
عندما نقرأ في كتب الفقه نجد الأسباب الموجبة للتيمّم مختصرة في أمرين:
الأوّل: عدم وجود الماء.
الثاني: عدم القدرة على استعمال الماء، وفسّروا عدم القدرة هذه بالخوف من البرد في حال استعمال الماء، أو وجود مرض مانع لاستعمال الماء أو زيادته باستعمال الماء أو تأخر البرء منه في حال استعمال الماء، أو وجود تقرّحات أو يكون مقعدا أو عاجزا عن الحركة ولا يجد من يناوله الماء.
عند هذا الحدّ وقف الفقه في تحديد أسباب التيمّم،
وبالمقابل عندنا فئة كبيرة من المسلمين يجدون الماء ولا أمراض لديهم تمنعهم من استعمال الماء، وهم سليمو الجسد، وقادرون على الحركة، لكنهم يؤمنون بوجوب الصلاة وعاجزون عن الوضوء، فما هو الحلّ بالنسبة إليهم.
بماذا ينفع وجود الماء وسلامة الجسد من التقرحات أو الأمراض التي تعارض استعمال الماء مع العجز في استعماله، إذا تُرِكَت الصلاة، فالصلاة هي المقصودة بعينها لا الوضوء واستعمال الماء.
وبماذا تنفع سلامة البنية الجسدية للمسلم، مع العجز عن الوقوف والقيام للصلاة، إذا تُرِكت الصلاةُ؟ فالصلاة هي المقصودة بعينها لا طريقتها.
وبماذا ينفع دخول وقت الصلاة مع العجز عن أدائها في وقتها، إذا تُرِكت الصلاة؟ فالصلاة هي المقصودة بعينها لا وقتها... إلى ءاخره.
ثمّ والأهمّ من كلّ ذلك، بماذا سيجيب المسلم العاجز عن الصلاة ربّه إذا مات في فترة انقطاعه عن الصلاة، فالموت حق ولا أحد يعلم أجله؟
إذا تدبّرنا ءايات القرءان الحكيم نجد ثلاثة أمور تتعلق بأداء الصلاة، وهي:
الدوام على الصلاة: قال تعالى: الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ
المحافظة على الصلاة: قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ
الخشوع في الصلاة: قال تعالى: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ.
فالمسلم يمرّ بمراحل ثلاث في صلاته: مرحلة الدوام ثمّ مرحلة المحافظة ثمّ مرحلة الخشوع، فلا يكون خشوع في الصلاة دون محافظة عليها، ولا تكون المحافظة عليها دون مداومة عليها.
وهذه الفئة من المسلمين التي تعجز عن المداومة على الصلاة، فتراها تصلي ثمّ تنقطع ثمّ تعود وهكذا، هي في الحقيقة تحارب من أجل البقاء في مرحلة المداومة وتصارع من أجل أن تثبت على مرحلة الدوام، فشأنها شأن الصبي الصغير الذي تعلم الوقوف ويصلي مع والديه دون طهارة ولا ترتيب ولا شروط فمرة يركع ومرة يصعد فوق ظهر أبيه ومرة يضحك... إلى ءاخر ما يعرفه الجميع من حال الصبيان والأطفال في الصلاة، وهذا في الحقيقة ما يجب أن يكون كتدريب أوّلي على الصلاة من أجل المداومة عليها وإن انعدمت شروطها، وهذا بعض حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع الصبي حتى يبلغ بالمجنون حتى يعقل، فما يجمع بينهما التدرّب على المداومة في الصلاة، مع فارق كون الصبي يصلي مع أبويه بتقطع في داخل الصلاة أو حتى دون طهارة أو بلعب، بينما المجنون يصلي ويعوّض الشرط الذي أصابه فيه الوهم بما يناسبه، فمن يتوهم أنه لا يستطيع الوضوء يصلي بتيمّم ومن يتوهّم أنه لا يقدر على الوقوف يصلي قاعدا ومن يتوهّم عدم وجود الوقت للصلاة يقضيها مجتمعة، ومن يتوهّم عدم صحّة الصلاة بغير خشوع فليعلم أنّ الخشوع من شأن الله ومن فضل الله، وأهمّ أسبابه المداومة والمحافظة على الصلاة، المهمّ في هذه المرحلة المداومة على خمس صلوات بأيّ طريقة كانت.
قد تحدّث النفسُ صاحبها الذي يداوم على صلاته بهذه الطريقة أنّ صلاته نفاق أو باطلة والشيطان أيضا يزيّن له ما تحدثه به نفسه، أضف إلى ذلك جهّال الناس الذين يصدّون عن الله بجهلهم، ويقولون: ترك الصلاة أفضل من صلاتك هذه.
لكن إذا داوم المسلم العاجز عن أداء الصلاة، على هذه الطريقة في الصلاة، دون التفات إلى حديث نفسه أو حديث الشيطان أو كلام الجهّال، فإنّ مداومته على صلاته تلك ستبدأ بالقضاء على الأوهام تدريجيا، فمن تعوّد التيمّم وداوم على صلاته، سيجد نفسه بعد فترة قصيرة يتوضّأ لا إراديّا، فينتهي توهّم عدم القدرة على استعمال الماء، ومن تعوّد على الصلاة قاعدا وداوم عليها، سيجد نفسه بعد فترة لا إراديّا يصلي واقفا، وينتهي وهم عدم القدرة على الوقوف للصلاة، ومن تعوّد على قضاء الصلوات وجمعها سيجد نفسه بعد فترة لا إراديّا وتدريجيا يصلي صلاته في أوقاتها... وهكذا، وبهذه الطريقة يتجاوز المسلم مرحلة الدوام على الصلاة ويدخل في مرحلة المحافظة، وقد قال العارفون: من داوم على الطّرْقِ فُتِحَ له.
مرحلة المحافظة أيضا ستكون تدريجيا حتى يستوفي المسلم شروط الصلاة من حيث الطهارة والتوقيت والأركان والسنن، وفي هذه المرحلة سيجد ذلك المسلم نفسه، بعد أن كان بالأمس عاجزا عن أداء الصلوات الخمس، يصلي صلواته الخمس الواجبات ومعها النوافل، وبعد مرحلة المحافظة على الصلاة تأتي مسألة الخشوع التي هي من فضل الله يؤتيه من يشاء، مع العلم أنه لا أحد يستطيع أن يدّعي لنفسه الخشوع في الصلاة فالله أعلم بإيمانكم.
ومن تمام النصيحة، لمن يشكو الكسل أو العجز في الصلاة، مع اتخاذ الأسباب التي ذكرنا، أن يداوم على هذا الدعاء في كلّ وقت وحين وحال: اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكسل ومن العجز في الصلاة اللهم أعني على ذكرك وشرك وحسن عبادتك وأعنّي على صلاتي ووفّقني لأدائها يا أرحم الراحمين.
هذا ما أدين به لله سبحانه في الدعوة إلى الله والأمر بالصلاة والحث عليها، والله تعالى أعلم.
كتبه الأستاذ السني الشاذلي كيوة
