قراءة في مصطلح الأمة و الحبل السرّي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم وأجل وبلى، ونصرّ ونؤكّد ونلحّ، ونصبر ونحتسب، وندعو إلى مراجعة أنفسنا وإعادة قراءاتنا وحساباتنا جميعا دون استثناء، فلا نزكّي أنفسنا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله.
ندعو #أنفسنا وندعو #الإخوان_المسلمين وندعو #السلفيّة وندعو بعضا من فرق #الصوفيّة لكن، يبقى السؤال مطروحا، كلّ هذه الفرق ومنتسبيها، يطلبون ويلهثون خلف هذا الطلب، ولا ننكر أنّ كثيرا منها سعت لتحقيقه ورغم ذلك لم يتحقق.
الإشكال الحقيقي في هذه المسألة (وأراها أمّ المسائل التي توحّد بين أبنائها) هو عدم الانتباه إلى الحبل السرّي الذي يجمع #الأمّ بأبنائها.
علّمونا - وعلمنا ذلك أيضا، فيما بعد، بالتجربة - أنّ الحبل السرّي يربط بين الجنين وبين الأمّ أثناء تواجده في رحمها، وتعلمنا أيضا أنّ الحبل السرّي القصير يمثل خطرا إمّا على الأمّ، أو على الجنين، أو على كليهما، وتعلمنا كذلك أنّ الحبل السرّيّ يتمّ قصّه حين تضع الأمّ ولدها.
هذا ما علموه لنا ظاهريّا، في علوم المرئيات والمحسوسات التي يُعبَّرُ عنها بعلوم المادّيّات، وهي العلوم التي يقدّسها ويعظمها، كثيرٌ من المسلمين، أصحابِ علومِ الظاهر، حتى يصل بهم الأمر إلى تكذيب الكتاب والسنة، وهم لا يشعرون.
وهي العلوم التي يقدّسها ويعظمها كفرا وإلحادا، أصحابُ نظريّة: لا إله والحياة مادّة.
لكن لا أحد من أهل علوم الغيب- لجهل أو لأيّ سبب ءاخر- علّمنا أو أخبرنا أنّ الأمّ لها حبلان سريّان:
أحدهما حبل سريّ ظاهر، وهو ما كنا نتحدّث عنه.
والثاني حبل سرّيّ غيبيّ لا يُلمَسُ باليد المجرّدة ولا يُرى بالعين المجرّدة، ولا يُحَسُّ بعلوم الظاهر.
حبلان سرّيان يشتركان في صفتين اثنتين:
الصفة الأولى: أنّهما يربطان بين الأمّ والجنين.
الصفة الثانية: إذا كان أحدهما قصيرا كان خطرا على الأمّ أو على الجنين أو على كليهما.
وأمّا سوى هاتين الصفتين، من صفات فتختلف ما بين الحبل السرّي الظاهري وبين الحبل السرّي الغيبي، مثل وظيفة الحبل السري ومثل مدى تأثير صحّة الحامل على الحبل السري ودم الحبل السرّي ومآل الحبل السرّي بعد الولادة، وطريقة العناية بالسرّة... إلى ءاخر هذه العمليات العلميّة طبيّا وفيزيائيّا والمعروفة لدى أهل الاختصاص فيها.
وكلّ تلك الصفات للحبل السرّي الظاهر، الوظيفة والتأثير ودمه ومآله وطريقة العناية به ... فهي أيضا صفات للحبل السري الغيبي، وهي عمليّات علميّة إيمانيّا ولها أدلّتها من الكتاب والسنّة معروفة لدى أهل الاختصاص فيها أيضا، والعلم بالحبل السرّي الظاهر، لا يتعارض مع العلم بالحبل السرّي الغيبيّ لمن يطلب الهداية للحقّ غير مستكبر ولا معاند.
إنّ هذه الأمّة أمّة مسلمة بقول الله تعالى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ، وقوله تعالى: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ.
إنّ الحلّ في توحيد الأمّة يكمن في حبلها السرّي الغيبي، فهو الذي يجمع الأمّ بأبنائها ويجتمعون حولها يدا واحدة رغم الفراق والبعاد، ويجمع الأمّ بأبنائها ويجتمعون حولها يدا واحدة رغم ظروف الفقر والجوع والاضطهاد المُمَارَسِ على كليهما، ويجمع الأمّ بأبنائها ويجتمعون حولها يدا واحدة حتى بعد الممات.
تفصيل هذا الحبل السرّي:
وبالعودة إلى لفظ (الأمّة) في القرءان، سنجد استعمالاتها مختلفة، لا تخرج عموما عن دائرة المعاني الأربعة، وهي:
الأمّة: تعني المدّة من الزمن، مثل قول الله تعالى: ولئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ العَذَابَ إلى أمَّةٍ معدودةٍ، أي: إلى مدة زمنية معدودة
الأمّة: تعني الجماعة، مثل قول الله تعالى: كان النّاسُ أمَّةً واحدةً، أي: جماعة واحدة.
الأمّة: تعني الرّجُلُ المُتَّبَعُ والمُقْتَدَى به، مثل قول الله تعالى: إنَّ إبراهيمَ كانَ أمّةً.
الأمّة: تعني المنهاج مثل قول الله تعالى على لسان المشركين: إنّا وجدنا ءاباءنا على أمّة، ومثل قوله تعالى لأمّة الإسلام: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ.
ومن هذه اللفظة (الأمّة) تفرّعت ألفاظ وأفعال مثل : أمّ وتيمّم وإمام.
والأَمُّ هو: القصد والتوجّه وشرطه الإخلاص لله تعالى.
والتيمّم: صفة مخصوصة للطهارة والوضوء عند تعذّر استعمال الماء وله شروطه
الإمام: هو من يُؤْتَمُّ بهِ ويُقتدى به، وله شروط عظيمة دقيقة لا تتأتّى لأيّ كان، وليس حفظ القرءان الكريم من هذه الشروط.
وسمّيت الأمّة، أمّة لأنها حملت في بطنها كلّ هذه المعاني، وما تقتضيه من أعمال صالحة، فالأمّة أمّ تجمع المسلمين وتوحّدهم، وأمّ تجمع مناهجهم المختلفة وعاداتهم وتقاليدهم على منهاج واحد عقيدة وأقوالا وأفعالا وأعمالا، وأمّ تجمع نيّاتهم المختلفة على نية واحدة وهي: إخلاص العبادة لله تعالى وحده. الأمّة أمٌّ تجمع المسلمين على قلب رجل واحد، وكلّ من عصى أمَّه فقد عقّها، ومن عقّ أمّه فقد أغضب الله وخرج من رحمة الله إن لم يتب من عقوقه، فكذلك من عصى أمّته وعقّها فقد أغضب الله وخرج من رحمة الله إن لم يتب، ومن هنا نفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَمَاتَ، فَمِيتَتُه مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ. وحديث: ستَكونُ بعدي هَناتٌ وَهَناتُ فمن رأيتُموهُ فارقَ الجماعةَ أو يُريدُ أن يفرِّقَ أمرَ أمَّةِ محمَّدٍ كائنًا مَن كانَ فاقتُلوهُ فإنَّ يدَ اللَّهِ معَ الجماعَةِ وإنَّ الشَّيطانَ معَ من فارقَ الجماعةَ يركُضُ. وفي هذين الحديثين الشريفين تفسير لقصر الحبل السرّي الغيبي وخطره على الأمّة أو على الأفراد أو على كليهما.
وبالنظر إلى معاني الأمّة في القرءان المنزل بلسان عربيّ مبين، نجد شروط وضوابط العلاقة بين المسلم وبين أمّته محدودة بزمن معيّن كما أنّها مرتبطة ارتباطا وثيقا بجماعة معيّنة، يحكمها منهاج معيّن وهو المنهاج الرباني، وأنّ هذه العلاقة بضوابطها وشروطها وواجباتها وأطرافها المتعاقدين والمتعاهدين فيها يؤمّها وينظّمها ويأمر فيها وينهى بأمر الله ونهيه، رجل معيّنٌ، اتباعه واجب وشرط وهو سيّدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحبّه عليه صلاة ربّي وسلامه هو معيار الإيمان وتصديقه أو تكذيبه، فقد قال عليه الصلاة والسّلام: لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ.
وفي الصحيح أيضا، أنّ سيّدنا عمر رضي الله عنه، قال: يا رسول الله، والله لأنت أحبّ إليّ من كلّ شيء إلا من نفسي. فقال عليه الصلاة والسّلام: لا يا عمر، حتى أكون أحبّ إليك من نفسك، فقال: يا رسول الله لأنت أحبُّ إليّ من كلّ شيء حتى من نفسي. فقال عليه الصلاة والسلام: الآن يا عمر.
وهذا بعض حكمة قول الله تعالى: (النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم).
هذا تأصيل لمعنى الأمّة لفظا وإيمانا، وما يحوم حول هذه اللفظة (الأمّة) من معان وما يضبط هذه التسمية (الأمّة) من أحكام وتشريعات.
ونحن حين نطلب من كلّ المسلمين وطوائفهم إخوانا وسلفيّة وبعضا من طرق الصوفيّة أن يراجعوا أو يعيدوا قراءاتهم، فإننا نحاول مع طلبنا أن نمدّ يد العون لأنفسنا ولإخواننا من خلال الدلالة على هذا الباب العظيم، لفظا ومعنى وهو باب: الأمّة، كي لا تأخذنا الشهوات أو تتشابه علينا السبل نعوذ بالله، ولا ننكر وجود علماء أفاضل فقد فقهوا هذه المعاني أكثر منا، ولكنه من باب التذكير والحرص على هذا الباب.
من هنا فقط تبدأ المراجعة، وعنوانها الأكبر الذي لا مراء فيه قول الله تعالى: كما بدأكم تعودون. وقول النبيّ المصطفى سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء.
وصدق الله تعالى: وفي أنفسكم أفلا تبصرون، وصدق الله عزّ وجلّ: وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكّرون.
لنتعلم ونتوحّد على معنى الأمّة وعلى شروطها وضوابطها ومنهاجها ولنعد قراءتنا لمعرفتنا بنبينا صلى الله عليهوسلم ثمّ لنعد قراءتنا لمكوّنات الإيمان الستة، من هنا تبدأ المراجعة.
والله تعالى أعلم، ونستغفر الله العظيم ونتوب إليه علها تكون خيرا لنا جميعا والله وليّ التوفيق.
كتبه الأستاذ السني فضيلة الشيخ الشاذلي كيوة حفظه الله
من أجل ثقافة #سنية خالية من #التشيع

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم