خرافة: زهد علي، ونقض الصورة الشائعة المكذوبة في زهده.
قبل كل شيء: دعني أصرح أنني هنا أناقش فقط المسلمين وليس الشيعة.
ولنتفق في البداية:
أن الزهد في المباح والحلال ليس واجبا. ومن تمتع بالحلال فلا ضير ولا خلل. ولكن هناك فكرة شعوبية رافضية تسللت في عقول المسلمين أن عليا كان زاهدا في كل متاع الدنيا بل كان أزهد الصحابة حتى انتشرت مقولة تنسب إليه (يا دنيا غيري فقد طلقتكِ ثلاثا) وسنثبت أن هذا قول باطل لأنه من أكثر الصحابة تمتعا في الدنيا، وكما قلنا هذا حلال ولا ضير.
تعود هذه الفكرة إلى صورة علي في الذاكرة العاطفية لدى الناس واللتي تختلف عن حقيقتها في الواقع الذي عاشه، فقد حصل تضخيم كبير لشخصيته، وأضيفت إليه أشياء لم تكن له، وتم إخفاء أخطائه، بل إنه أصبح من المحرم المرور على أخطائه أو ذكرها بحيث لو تجرأ أحد ما فذكر بعضها لرأيت الأعناق تمتشق والأجفان ترتفع والألسن تنفلت من زمامها في شتم من يذكر أخطاءه حتى ولو كانت مناقشة أكاديمية علمية للتعلم من الأخطاء. وهذه الثقافة فقط تخص علي دون غيره من الصحابة! حتى صارت حقائق مسلمة راسخة لا تقبل النقاش !
في المقابل:
انتشرت الصورة السوداية عن أمير المؤمنين معاوية أنه كان مترفا متنعما في الخيرات.
ولو فكرنا قليلا سنجد أن هذه صورة متعمدة يتم ذكرها وترديدها لكي تكون راسخة في عقولنا وقد نجحوا في ذلك. فتربينا على تلك الصورة الخيالية في أن الزهد ملازم لعلي وأن النعيم ملازم للإمام معاوية - رضي الله عنهما علي ومعاوية.
وتخيل معي: لو قال أحدهم أخطأ عمر وعثمان والزبير وطلحة وسعد وسعيد وعمرو بن العاص ومعاوية وأبو موسى وزيد وغيرهم من كبار الصحابة، فلا ترى أحدا يفتح فاه. وبمجرد تقول أخطأ علي تجد نفس تلك الأفواه المعتوهة اللتي تكيل بمكياليين تنفتح شبراً في الشتم والقدح والبذاءة وكأن قدسية علي أكبر من قدسية بقية الصحابة الكرام رغم أن منهم أكثر منه علما وأكبر منه قدرا وفضلا، وعندما كانوا كبار وشبابا في حمل راية الإسلام كان طفلا لم يبلغ الحلم بعد بل لم يكن مكلفا.
بادىء ذي بدء:
أنا لا أناقش أو أقارن بين زهد علي مع الخلفاء الراشدين الثلاثة السابقين فإنه لا مقارنة والأمر مسلم به فقد أجمعت الأمة وخيارها أن الصديق والفاروق وذي النورين كانوا أزهد الخلق بعد الأنبياء والأدلة على ذلك كثيرة يمكن ذكر بعضا منها.
ولكنني هنا أقارن بين زهد سيدنا معاوية وسيدنا علي رضي الله عنهما وتبيين الصورة الزائفة اللتي التصقت بكليهما.
سنناقش بطريقة بسيطة سريعة ثمان نقاط ونثبت من خلالها أن معاوية كان أزهد من علي دون أدنى شك.
لأننا لا نحتاج لمقارنة زهده بالصديق والفاروق وذي النورين فبالطبع بإجماع الأمة كانوا أكثر منه زهدا وفضلا، ولكنني هنا سأثبت لكم أن معاوية هو أكثر زهدا من علي رغم كل الظروف اللتي كانت متوفرة للعيش الرغيد لسيدنا معاوية.
النقاط هي:
معاوية كان أزهد من علي في:
1- الجري وراء الخلافة والملك.
2- الحياة الإجتماعية قبل الخلافة.
3- التنعم بعد أخذ الحكم من زوجات وجواري حسناوات.
4- المال الذي تركه كل منهما.
5- عدد الأولاد .
6- الحياة الشخصية من ملبس وهيئة.
7- تولية أقاربه على الأمصار.
8- توريث الحكم.
المبحث الأول:
الجري وراء الحكم:
وهذا كما ذكرنا حلالا زلالا ولا يعد منقصة، ولكن نريد أن نضع الموازين في نصابها.
السؤال:
من كان يسعى وراء الحكم #علي_بن_أبي_طالب أم #الإمام_معاوية؟
وهل هناك دليل على ذلك؟
الجواب:
علي كان أكثر سعيا وراء الحكم.
نعم كان علي بن أبي طالب يسعى للسلطة ويتمناها صراحة وتلميحا، بل إنه وقف حائطا منيعا ضد عمه العباس عندما قال له العباس في مرض الحبيب المصطفىﷺ دعنا نذهب ونسأل النبي هل الخلافة فينا فرفض علي ذلك وقال الجملة الصاعقة: لو ذهبنا وسألناه ومنعها عنا، والله لن يعطينا الناس إياها أبدا.
وإليكم الحديث في صحيح البخاري...
عن ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِب خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ يَا أَبَا حَسَنٍ، كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا، فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ(عم علي وعم النبي)، فَقَالَ لَهُ أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ عَبْدُ الْعَصَا (يوبخ عليا لأنه لم يقل للناس الحقيقة عن حال رسول الله)، يكمل العباس ويقول: وَإِنِّي وَاللَّهِ لأُرَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا ، إِنِّي لأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ (من يخلفه)، إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنَعَنَاهَا لاَ يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
صحيح البخاري 4447
في المقابل:
أمير المؤمنين سيدنا معاوية لم يثبت حتى أثر واحد صحيح أنه طالب بالسلطة أو حتى رغب بالخلافة، بل بالعكس عندما كانا يتكاتبان، كانت إحدى رسائل معاوية لعلي أنه سيكون أول المبايعين لعلي والمسلمين له بل وشهد له بالخيرية وشرط على علي أن يسلم قتلة سيدنا عثمان ولم يكن معاوية الصحابي الوحيد الذي طالب بدم عثمان.
وهذا ما ورد في سير أعلام النبلاء:
جاء أبو مسلم الخولاني وأناس إلى معاوية، وقالوا: ((أنت تنازع علياً أم أنت مثله ؟ فقال: لا والله، إني لأعلم أنَّه أفضل منِّي وأحقُّ بالأمر منِّي، ولكن ألستم تعلمون أنَّ عثمان قُتِل مظلوماً، وأنا ابن عمِّه، والطالب بدمه، فأتوه، فقولوا له، فليدفع إليَّ قتلة عثمان، وأسلم له، فأتوا علياً، فكلموه، فلم يدفعهم إليه))
(سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج3، ص140).
المبحث الثاني:
طرق العيش والحياة الإجتماعية:
لقد تربى معاوية في العز والسيادة، فأبوه كان سيد قريش وكان في يده رأس الأمر وكان تاجرا عبقريا ثريا، فلا غرابة لو أن معاوية عاش في بحبوحة من النعيم، ولكن مع هذا لم يكن كذالك.
وعندما تقلد معاوية أمر المسلمين كان الزهد شعارا له حتى توفي، وسأسرد لكم الأدلة.
في المقابل:
حياة علي قبل الملك والحكم:
كان علي بن أبي طالب معدما فقيرا ولم يستطع حتى أبوه أن يتكفل به. حتى أنه عندما أراد الزواج من فاطمة فإنه لم يستطع أن يزوج نفسه أو يدفع مهر زوجته أو حتى شراء أثاث بيته، رغم أنه كان شابا قويا يقدر على العمل والكسب ومع هذا لم يستطع توفير شيء لذلك.
وعندما تزوج فإن عثمان هو من دفع مهر فاطمة وأبو بكر اشترى له المتاع (العفش والجهاز).
القصة كاملة كما وردت:
يقول علي بن أبي طالب عندما زوجه النبي الأكرم بفاطمه.
قال له: إذهب وبع درعك وأتِ بالثمن.
قال علي: فانطلقت فبعته بأربعمائة درهم سود هجرية، من عثمان بن عفان فلما قبضت الدراهم منه وقبض الدرع مني،
قال عثمان: يا أبا الحسن لست أولى بالدرع منك وأنت أولى بالدراهم مني،
فقلت : بلى،
قال عثمان: فإن الدرع هدية مني إليك فأخذت الدرع و الدراهم، وأقبلت إلى رسول الله الله فطرحت الدرع والدراهم بين يديه و أخبرته بما كان من أمر عثمان ، فدعاله بخير.
قال علي: فقبض رسول الله القبضة من الدراهم ودعا بأبي بكر فدفعها إليه،
وقال: يا أبا بكر اشتر بهذه الدراهم لابنتي ما يصلح لها في بيتها، وبعث معه سلمان وبلالا ليعيناه على حمل ما يشتريه.
المناقب - الموفق الخوارزمي - الصفحة ٣٤٩
المبحث الثالث:
التنعم بعد أخذ الحكم من زوجات وجواري حسناوات:
يقول الجاحظ في كتابه العثمانية:
وكان علي مقلا مخفقا يعال ولا يعول، فاستفاد الرباع والمزارع والعيون والنخيل ومات ذا مال وأوقاف وما يحسب ماله ووقفه بينبع إلا مثل كل شيء ملكه أبو بكر مذ أن كان في الدنيا إلى أن فارقها. (أي كل مال أبي بكر طوال حياته مثل مزرعة واحدة من مزارع علي).
يقول الجاحظ عن علي:
وتزوج فأكثر وطلق فأكثر.
واستشهد وعنده 19 سرية مطهمة (أي جارية جميلة ممتلئة الجسم) وأربع نسوة عقائل، غير اللاتي طلقهن.
يقول الجاحظ:
ولا سواء بين من كان ذا مال فأنفقه مثل أبي بكر وعمر ومن كان مقلا فكسبه. ولم يتزوج أبو بكر في خلافته امرأة ولا اتخذ سرية ولا تفكه بشيء ولا ءاثر بلذة.
وقد كلف بني تيم وكل عشيرته: أن يردوا كلما أخذوا من بيت المال لكي يجعل عمالته (أجرته) لله وكذلك فعل عمر.
ويقول:
وقد أخذ علي عمالته ولم يرد منها شيء ولم يوصِ بني هاشم أن يردوا شيئا إلى بيت المال.
ملاحظة: ينبع: أرض لعلي فيها مزارع، كانت تغل عليه ألف وسق من تمر، سوى زرعها. يعني التمر هذا بدون الزروع الأخرى. يعني 150 طن تمر سنويا. والوسق يساوي 150 كيلو غراما.
فيقول الجاحظ: فأين هذا من هذا.
يقول ابن تيمية:
أزهد الناس بعد رسول الله ﷺ الزهد الشرعي : أبو بكر وعمر؛ وذلك أن أبا بكر كان له مال يكتسبه فأنفقه كله في سبيل الله. وتولى الخلافة، فذهب إلى السوق يبيع ويتكسب. وقال نقلاً عن بعض العلماء: كان له المال الكثير في أول الإسلام والتجارة الواسعة، فأنفقه في سبيل الله، وكان حاله في الخلافة ما ذكر ، ثم رد ما تركه لبيت المال.
وقال:
قال ابن زنجويه حميد بن مخلد النسائي: وأما علي فإنه كان في أول الإسلام فقيراً يعال ولا يعول، ثم استفاد المال: الرباع، والمزارع، والنخيل، والأوقاف، واستشهد وعنده تسع عشرة سُرِّيّة وأربع نسوة. ولم يأمر برد ما تركه لبيت المال.
وروى أحمد وغيره عن حجاج عن شريك قال:
قال علي : لقد رأيتني على عهد رسول الله ﷺ أربط الحجر على بطني من شدة الجوع، وإن صدقة مالي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار.
قال ابن تيمية: فأين هذا من زهد أبي بكر ؟! وإن كانا رضي الله عنهما زاهدين.
منهاج السنة النبوية، ٤٨١/٧-٤٨٢ ، ابن تيمية.
يقول ابن حزم:
وقال قائلون: علي كان أزهدهم .. قال: وكذب" هذا الجاهل.
وبعد أن تكلم عن زهد الصديق والفاروق،
قال: وأما علي فتوسع في هذا المال من حله، ومات عن أربع زوجات وتسع عشرة أم ولد سوى الخدم والعبيد.
المبحث الرابع:
حب الأولاد وكثرتهم وما ترك لهم:
يقول ابن حزم:
وتوفي علي عن أربعة وعشرين ولداً من ذكر وأنثى، وترك لهم من العقار والضياع ما كانوا به من أغنياء قومهم ومياسيرهم. وهذا أمر مشهور لا يقدر على إنكاره من له أقل علم بالأخبار والآثار. ومن جملة عقاره ينبع التي تصدق بها، كانت تغل ألف وسق تمر سوى زرعها، فأين هذا من هذا؟!
ويستمر ابن حزم ويقول:
وأما حب الولد والميل إليهم وإلى الحاشية فالأمر في هذا أبين من أن يخفى على أحد له أقل علم بالأخبار.
المبحث الخامس:
استعماله أقاربه على الأمصار:
يقول ابن حزم:
فقد كان لأبي بكر من ذوي القرابة مثل طلحة بن عبيد الله من المهاجرين الأولين ومثل ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وله مع النبي صحبة قديمة وفضل ظاهر، فما استعمل أحداً منهم على شيء من الجهات ولو استعملهم لكانوا أهلا لذلك، ولكن خشي المحاباة وتوقع أن يميله إليهم شيء من الهوى.
ثم جرى عمر مجراه في ذلك، فلم يستعمل من بني عدي بن كعب أحداً على سعة البلاد. وقد فتح الشام ومصر ومملكة الفرس وخراسان إلا النعمان بن عدي على ميسان ثم أسرع إلى عزله. ثم لم يستخلف ابنه عبد الله بن عمر وهو من أفاضل الصحابة، وقد رضي الناس به وكان أهلاً لذلك، ولو استخلفه لما اختلف عليه أحد، فما فعل.
وكذلك عثمان حكم اثني عشر سنة:
لم يولِ إلا الصحابي مروان بن الحكم فقط ابن عمه غير المباشر على البحرين وكان كاتبه وصاحب الخاتم، وكذلك كان صحابيا جليلا مؤهلا لذلك. ولكن أصحاب النفوس الدنيئة أقاموا الدنيا ولم يقعدوها.
وعثمان لم يولي معاوية مطلقا.
بل أقره على الشام لأن عمر ولى معاوية على الشام فجاء عثمان ولم يغير ما اختاره ورضيه عمر الفاروق.
يقول ابن حزم:
وماذا عن علي؟!! في أربع سنوات ونصف:
يكمل ويقول:
ووجدنا عليا إذ ولي قد استعمل أقاربه:
- عبد الله بن عباس على البصرة
- وعبيد الله بن عباس على اليمن
- وقثم ابن عباس على مكة
-ومعبد ابن عباس على المدينة،
- وجعدة بن هبيرة وهو ابن أخته أم هانئ بنت أبي طالب على خراسان
-وأمر ببيعة الناس للحسن ابنه بالخلافة بعده.
-وربيبه محمد ابن أبي بكر مصر الذي شارك في قتل عثمان على مصر.
يقول ابن حزم:
ولسنا ننكر استحقاق الحسن للخلافة ولا استحقاق ابن عباس للخلافة، فكيف إمارة البصرة. لكنا نقول إن من زهد في الخلافة لولد مثل عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر وفي تأمير مثل طلحة وسعيد بن زيد، فلا شك في أنه أتم زهداً ممن أخذ منها ما أبيح له أخذه.
الفصل في الملل والأهواء والنحل، ١١١/٤-١١٢، ابن حزم.
المبحث السادس:
توريث الحكم ومن كان أول ملك في الإسلام:
حقيقة 1:
حديث أبي بكرة في انتهاء خلافة النبوة بموت عثمان:
روی ، أحمد في المسند عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، قال : وفدت مع أبي إلى معاوية بن أبي سفیان، فأدخلنا عليه، فقال: يا أبا بكرة، حدثني بشيء سمعته من رسول الله ﷺ. فقال: كان رسول الله يعجبه الرؤيا الصالحة ويسأل عنها ، فقال رسول الله ﷺ ذات يوم: (أيكم رأى رؤيا؟)، فقال رجل: أنا يا رسول الله ، رأيت كأن ميزاناً دلي من السماء فوزنت أنت بأبي بكر فرجحت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر بعمر ، فرجح أبو بكر بعمر ، ثم وزن عمر بعثمان، فرجح عمر بعثمان. ثم رفع الميزان، فاستاء لها رسول الله ، فقال : (خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء). وهو يناقض حديث (سفينة) في أن الخلافة ثلاثون سنة، إنما هي خمسة وعشرون سنة. وقد ناقشنا حديث سفينة وبينا ضعفه في منشور سابق.
المصدر: مسند الإمام أحمد بن حنبل ، ٩٤/٣٤-٩٥ . والحديث حسنه شعيب الأرناؤوط وصحح الألباني زيادة: [فَاسْتَاءَ لَهَا رَسُولِ اللَّهِ ، ثُمَّ قَالَ : خِلافَةُ نُبُوَّةٍ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ.
حقيقة 2:
ثمامة بن عدي رضي الله عنه يصف حكم علي بالجبري والملك.
عندما وصل خبر مقتل سيدنا عثمان إلى الصحابي ثمامة وكان واليا على صنعاء، بعد أن تم تنصيبه عليا كخليفة من قبل قتلة عثمان.
الحديث كاملا:
روى الطبراني في (المعجم الكبير) بإسنادين: أحدهما عن أبي قلابة، والآخر عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني قال: كان أمير على صنعاء - قال أبو قحذم يقال له – ثمامة بن عدي - وكانت له صحبة - فلما جاء نعي فلان بكى بكاء شديداً فلما أفاق قال: "هذا حين انتزعت خلافة النبوة، وصار ملكاً وجبرية، من غلب على شيء ملكه". واللفظ الآخر عن أبي قلابة: أن رجلاً من قريش يقال له ثمامة كان على صنعاء، فلما قتل عثمان ، خطب فبكي بكاء شديداً، فلما أفاق، واستفاق، قال: "اليوم انتزعت خلافة النبوة من أمة محمد ، وصارت ملكاً وجبرية؛ من أخذ شيئاً غلب عليه.
تخيل:
صحابي جليل يصف حكم علي بالملك العضوض صراحة، وفي المقابل لم يرد حتى نص واحد صحيح يصف خلافة سيدنا معاوية بالملك الجبري أو العضوض. ولكن الثقافة الرافضية تغلغلت في عقولنا حتى قلبنا الموازين.
المبحث السابع:
الحروب والتضحية بالأبناء والأهل:
لك أن تتخيل أن سيدنا علي لم يشارك في معركة قط بعد موت النبي الكريم ولم يصح في حديث صحيح أن أحدا من أبنائه رغم كثرتهم شاركوا في الفتوحات منذ بداية حروب الردة حتى مقتله.
العجيب أن كل الحروب اللتي شارك بها سيدنا علي بعد وفاة الحبيب المصطفى ثلاث معارك وكلها ضد المسلمين. (الجمل، صفين، الحرورة).
وسبعة من أبنائه قتلوا مع الحسين في كربلاء ولا يتم ذكر أسمائهم مطلقا وذلك لأن أسماءهم أبو بكر وعمر وعثمان.
والأعجب أنه لم يستشهد أحد من أبنائه في معركة قط في الدفاع عن ثغور المسلمين رغم كثرتهم.
بل إن سيدنا علي نفسه رفض المشاركة في حروب الردة ومع هذا جاءه نصيبه من الغنائم ومن هذه الغنائم أم محمد بن الحنفية.
المبحث الثامن:
توريث الحكم:
لقد كان أول من ورث الحكم لابنه هو سيدنا علي، فعندما طعن فإنه لم يمت علل الفور، بل بقى ما يقارب الخمسة أيام، وتم تنصيب الحسن في حياة علي وكان موافقا على ذلك.
ونحن هنا لا نقول أن حسن بن علي ليس أهلا للحكم ولكننا نناقش واقع يتم اتهام سيدنا معاوية به.
القصة كاملة:
البداية والنهاية: الجزء السابع: صفة مقتل علي:
عندما تم الإمساك بعبدالرحمن بن ملجم قاتل علي، وقد كان في جيش علي في جميع حروبه ضد الصحابة.
وقف بين يديه وهو مكتوف الأيدي.
- فقال له علي: أي عدو الله ألم أحسن إليك؟
قال: بلى.
قال: فما حملك على هذا؟
قال: شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه.
فقال له علي: لا أراك إلا مقتولا به، ولا أراك إلا من شر خلق الله.
ثم قال: إن مت فاقتلوه وإن عشت فأنا أعلم كيف أصنع به.
فقال جندب بن عبد الله: يا أمير المؤمنين إن مت نبايع الحسن؟
فقال: لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر.
الشاهد:
أن علي أقرهم على الحسن ولم ينهاهم أو يمنع الحسن كما فعل أبو بكر وعمر وقد كان عبدالرحمن بن أبي بكر وعبدالله بن عمر من خيرة الصحابة واكفأهم.
فأين هذا من هذا؟
ومن هنا: نعلم أن علي هو أول من ورث الحكم لابنه وليس في ذلك ضرر على الإطلاق ولا يوجد نص يحرم ذلك. ولكنه كان أول ملك في الإسلام.
_____________معاوية أزهد من علي _____________
صديقي القارىء العاقل.
بعد كل هذا السرد:
تعال لنرى حقيقة زهد سيدنا معاوية الذي تربى في بيت العز والجاه والسلطان ونرى كيف عاش:
سأذكر جميع المباحث بإيجاز:
- المطالبة بالحكم:
سيدنا معاوية كما ذكرنا سابقا لم يطالب بالحكم ولم يسعى له مطلقا، بل إنه كما ذكرنا كتب إلى علي واعترف بخيرية علي وسبقه له. بل إنه كتب إلى علي يخبره بأنه يريد مبايعته وأنه أهل لها ولكن بشرط القصاص من قتلة عثمان.
فمعاوية كان أزهد من علي بالخلافة.
- الزواج والنساء والتمتع بالنعيم من نساء وجواري.
تزوج سيدنا معاوية فقط إمرأتين وقيل ثلاثا ولم يجمع بينهما. فعندما طلق الأولى تزوج الثانية، رغم قدرته وكفاءته ولكنه ءاثر وانشغل بالفتح وحرب الروم 40 سنة.
ميسون بنت بحدل رحمها الله وهي أم يزيد.
ثم تزوج فاختة بنت مرطة بن عبد عمرو بن مناف، وقد ولدت له ابنه عبدالرحمن وبه كان يُكنَّى، ولكنه توفي صغيراً، وعبدالله وكان مريضا، وابنته هند. وتزوج كذلك من كنود بنت قرظة، وقد ولدت له بنتين رملة وصفية.
فسيدنا معاوية: لم يكثر من النساء ولم تكن له جارية أو سواري كما كان لسيدنا علي الذي مات عن 19 سرية مطهمة أي بالغة الحسن والجمال، دون نسائه الأربع الذي كن على ذمته. فما بالك بمن طلق وبالجواري اللاتي أعتق.
الخلاصة: كان سيدنا معاوية أزهد من سيدنا علي في متاع الدنيا من نساء وجواري وبنين رغم قدرته على كل ذلك.
- حب البنين وكثرتهم:
تجاوز أبناء سيدنا علي الثلاثين،
بينما سيدنا معاوية في الواقع لم يكن له إلا يزيد والبقية توفوا صغارا أو عاشوا حياة طبيعية ولم يتجاوزوا الخمسة أبناء ذكورا وإناثا.
الحياة الإجتماعية:
- لقد تنعم سيدنا علي جتى قال عن نفسه: لقد رأيتني على عهد رسول الله ﷺ أربط الحجر على بطني من شدة الجوع، وإن صدقة مالي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار.
قال ابن تيمية: فأين هذا من زهد أبي بكر ؟! وإن كانا رضي الله عنهما زاهدين.
منهاج السنة النبوية، ٤٨١/٧-٤٨٢ ، ابن تيمية.
الصاعقة:
في المقابل:
سيدنا معاوية كان ميالا للزهد متصفا في جميع حالاته بالصحابي عمر ابن الخطاب.
يقول ابن كثير:
لقد حاول معاوية أن يسير سنتين في حكمه على سنن الشيخين أبي بكر وعمر فوجد أن الناس تغيروا فعدل عن ذلك. وهذا يثبت أن الزهد كان هاجسه ومظهره وحياته.
ويروي ابن كثير عن أبي الدنيا:
أن معاوية قال ليزيد: كيف تراك فاعلا إن وليت؟ فقال يزيد: كنت والله عاملا فيهم عمل عمر ابن الخطاب.
فقال معاوية: سبحان الله يا بني ! والله لقد جهدت على سيرة عثمان فما أطقتها. فكيف بك وسيرة عمر!!
الصاعقة الكبرى:
كان معاوية يلبس المرقع رضي الله عنه.
عن علي بن أبي حملة عن أبيه: قال رأيت معاوية على المنبر يخطب بالناس وعليه ثوب مرقوع.
صاعقة: معاوية أزهد من علي:
وأخرج ابن كثير :
عن يونس ابن ميَّسر الحميري الزاهد وهو من شيوخ الأوزاعي: .قال رأيت معاوية في سوق دمشق وهو مردف وراءه وصيفا وعليه قميص مرقوع الجيب يسير في أسواق دمشق.
صاعقة: معاوية أزهد من علي:
وروى الدار قطني عن محمد ابن غسان أن القائد الشهير الضحكاك ابن قيس الفهري: قدم المدينة فأتى المسجد فصلى وعليه برد مرقع قد ارتدى به من كسوة معاوية. (من ثياب معاوية وهو مرقع).
صاعقة:
يقول المحقق محمد طاهر البرزنجي محقق تأريخ الطبري:
لم نجد رواية صحيحة السند تحكي عن ترف معاوية في البناء والملبس والمركب لذلك أعرضنا عنها.
ويتابع:
يبدو والله أعلم أن معاوية كان يهتم ببعض الشكليات لدار الخلافة إظهار لهيبة المسلمين أمام الروم المتاخمين للشام في الحدود الشمالية والذين لا يفهمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا.
يتابع المحقق البرزنجي:
ولكن معاوية:
لم يكن يهتم بتلك الشكليات مطلقا عندما كان يختلط بالمسلمين وحين ينزل إلى السوق وحين يذهب إلى المسجد والحج ولم نجد رواية تذكر معاوية وخدمه وحشمه مطلقا.
وأما الروايات المكذوبة من افتراء الرافضي الكذاب أبي مخنف أن معاوية كان يرفل بالنعيم فكلها واهية كاذبة وتزيد عليها أقلام الجهلة في زماننا وهناً وكذباً.
ومراسيم الملك الذي كان يستخدمها في الشام كان لسبب القرب من الروم وكان لسبب سياسي وقد أقره على ذلك سيدنا عمر الفاروق.
- تضحية معاوية بأهله وبنيه:
عندما أراد فتح قبرص في زمن عمر منعه سيدنا عمر خوفا على المسلمين من البحر.
وعندما كانت خلافة عثمان وألح معاوية على فتح قبرص، أذن له عثمان بفتحها بشرط أن يجعل أهله وبنيه أول من يركب السفينة فإن حدث شيء للمسلمين يكونوا في أول الغارقين.
فغزا معاوية قبرص مع أهله وبنيه جميعا.
وعندما كبر يزيد: ولاه على أول جيش يغزوا القسطنطينية وحاصرها 7 أشهر وكان تحت قيادته جمع من كبار الصحابة الذين كانوا يصلون خلفه.
وقد فتح يزيد شمال أفريقيا: تونس والجزائر والمغرب ومالي موريتانيا وشمال النيجر وتشاد وأجزاء من ليبيا.
الخلاصة::
هناك رجلان:
رجل يدخل البيت ويرى أربع نساء حسناوات و19 جارية مطهمة جميلة وحوله 30 من الأبناء. وعاش قبل المللك في فقر ثم انصبت عليه الدنيا صبا.
وفي المقابل:
رجل يلبس المرقع ولم يجمع بين زوجتين ولديه ثلاثة أبناء. وولد في أسرة سيادة وثراء وملك زمام الحكم فأعرض عنها جميعها.
فأيهم أكثر زهدا؟؟؟؟
ومن هو الذي يعيش في بحبوحة؟؟
ومن يحق له أن يقول يا دنيا غري غيري؟؟
الجواب: لكم.
المصادر:
- البداية والنهاية.
- معجم الطبراني.
- صحيح الطبري- لمحمد طاهر البرزنجي.
- الملك الراشد- الدكتور طه الدليمي.
- منهاج السنة لابن تيمية.
_ مسند أحمد.
____
كتبه الأخ السني الأموي الدكتور الفاضل عبدالرحمن الداخل