هو مَسْلَمة بن عبد الملك بن مروان بن الحَكَم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كِلاب القُرَشيّ الأموي. يلتقي نَسَبُه بالنبي ﷺ في عبد مناف.
يُعتبر مَسلمة بن عبد الملك رحمه الله أحد أفضل القادة العسكريين في التاريخ العالمي، وأعظم القادة الذين تولوا غزو الإمبراطورية البيزنطية إبان حكم الأمويين، وأعظم القادة العسكريين من بني أمية بعد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وأعظم من حاصر القسطنطينية من القادة العرب.
قارنه المؤرخون بخالد بن الوليد رضي الله عنه في محاربته للروم، وكثرة حروبه، وانتصاراته الدائمة، وشدة بأسه وشجاعته، واعتبروه أحق أبناء عبد الملك بن مروان بالخلافة وأفضلهم. وكان يغزو كل سنة مرة، وأحياناً مرتين حتى توفي. وقد شملت فتوحاته وحروبه 7 بلدان؛ تركيا، وروسيا، وداغستان، وجورجيا، وأرمينيا، وأذربيجان، والعراق.
قال عنه المؤرخ واللواء الركن «محمود شيت خَطَّاب» أحد أبرز القادة العسكريين في تاريخ العراق الحديث في كتابه «قادة الفتح الإسلامي في أرمينية»:
"… وكان يُلَقَّب بالجَرَادة الصفراء لصفرة كان تعلوه، ومع ذلك فإن الجَرَادة الصفراء من نَهَمِ الجَرَاد في اكتساح المزارع والزروع، فإذا ألمَّت بزرع أو نبات أتت عليه ولم تُبقِ منه على شيء، وهذا يرمز لضراوة مَسْلَمَة في الحروب وشدة وطأته على الأعداء.
وكان جميل الصورة حسن الوجه صبيحاً، من أجمل الناس، وهو معدود من الطبقة الرابعة من تابعي أهل الشام". صفحة 313
"كانت لمسلمة مواقف مشهورة، ومساع مشكورة، وغزوات متتالية منثورة، وقد افتتح حصوناً وقلاعاً، وأحيا بعزمه قصوراً وبقاعاً؛ وكان في زمانه في الغزوات نظير خالد بن الوليد في أيامه، في كثرة مغازيه، وكثرة فتوحه، وقوة عزمه، وشدة بأسه، وجودة تصرفه في نقضه وإبرامه، وهذا مع الكرم والفصاحة، وهو بطل كَرَّار، وشجاع مهيب، له آثار حميدة في الحروب، وكان موصوفاً بالشجاعة والإقدام والرأي والدهاء، وكان من رجال بني أمية، وله آثار كثيرة في الحروب ومكانة في الروم.
وكان مَسْلَمَةُ باسِلاً، سأل هشام بن عبد الملك مَسْلَمَة:
«يا أبا سعيد! هل دَخَلَكَ ذُعْر قَطّ لحرب أو عدوّ؟»
قال: «ما سَلِمْتُ في ذلك من ذُعْر يُنَبِّهُ عَلَيَّ حِيَلِي، ولم يَغْشَنِي ذُعْر قَطّ سَلَبَنِي رأيي»
فقال هشام: «صَدَقْتَ، هذه والله البَسَالَة».
وكان حازماً بعيد النظر، يحسب لكل شيءٍ حسابه، ويتّخذ لكل أمر عدّته، ويتقن المكيدة في الحرب، ومن أقواله في ذلك:
«ما أخذتُ أمراً قَطُّ بحزْمٍ فَلُمْتُ نفْسي فيه، وإنْ كانت العاقِبَةُ عَلَيّ؛ ولا أخذت أمراً قَطُّ وضيّعت الحزم فيه، إلَّا لُمْتُ نفْسي عليه، وإن كانت العاقِبَةُ لِي»". صفحة 318-319
"وكان لا يلحن كاتباً وشاعراً وخطيباً. ومن أقواله في اللَّحْن:
«اللَّحْنُ في الكلام أقبح من التَّفتيق في الثوب النفيس»
وكان فصيحاً، ومن أقواله:
«ما قرأتُ كتاباً قَط لأحد إلا عرفتُ عقله منه»". صفحة 295-296
"وكان قائداً (تعرُّضياً)، ولم يلجأ إلى الدفاع في معاركه، وكانت كلّ المعارك التي خاضها تعرضية، عدا حصار (القسطنطينية) الذي كان تعرضاً حقيقاً لم يكتب له النجاح، ولم يمارس (الانسحاب) إلا مرتين كما ذكرنا سابقاً، ولو أن الانسحاب أيضاً لا يتم إلا بتعرض تعبويّ محليّ، ويمارسه القائد لإنقاذ جيشه من المطاردة، لذلك اعتبر قسم من أساطين العسكريين الانسحاب تعرضاً معكوساً". صفحة 327
"ومضى مَسْلَمَةُ من سنة ست وثمانين الهجرية حتى تقاعد سنة أربع عشرة ومئة الهجرية قائداً دون توقف إلا في سنة إحدى عشرة ومئة الهجرية، وأحسب أن توقفه في هذه السنة كان لأسباب مَرَضِيَّة، كما أحسب أن تقاعده بعد سنة أربع عشرة ومئة الهجرية حتى توفاه الله سنة عشرين ومئة الهجرية أو سنة إحدى وعشرين الهجرية، كان لمَرَضِهِ أيضاً، ومعنى هذا أنه أمضى كل سِنِيّ حياته قائداً …". صفحة 324
"وكانت وفاته بالشام، ودفن بموضع يقال له: (الحانوت)، وفي رواية أن عبد الله بن علي العَبَّاسِيّ لما هَزَمَ مروان بن محمد بن الحَكَم آخر خلفاء بني أُمَيَّة نَبَشَ قبورَ الأمويين، فاستخرج مَسْلَمَةَ بِـ (قِنّسْرِين) من قبره سنة اثنتين وثلاثين ومئة الهجرية، فلم يجد غير جُمجمة فأحرَقَها !".
"وهكذا خلفت النار رماداً، وأدى الحقد الأسود إلى إحراق الموتى وصلبهم وقتل الأحياء وتشريدهم، في محاولة لإفناء بني أمية الأحياء منهم والأموات !!". صفحة 317
"يذكر التاريخ لمَسْلَمَة، أنه كان أوسع الأمويين فتحاً برّاً، وأعظم قادتهم بعد معاوية بن أبي سفيان". صفحة 336
"ويذكر له أنه أكثر الأمويين فتحاً في الأنَضُول، وأكثر من غير الأمويين الفاتحين في هذه المناطق، وبذلك أمَّنَ الحدود البرية الشمالية الغربية للدولة وحماها من صولة الرّوم". صفحة 336
"ويذكر له أنه طَهَّرَ الجبهة الشرقية، والجبهة الشمالية، والجبهة الشمالية الشرقية الغربية من أعداء الدولة …". صفحة 337
"ويذكر له أنه قضى أربعة أخماس عمره بعد بلوغه مبلغ الرجال في ساحات الــجــهــاد، ولم يسقط السيف من يده في السنوات الباقية من عمره إلا مضطراً ومكرهاً". صفحة 337
"ويذكر له أنه فتح مدناً وحصوناً كثيرة وبلاداً شاسعة، لا يزال أثر اللغة العربية فيها باقياً حتى اليوم، ولا تزال متمسكة بالدين الحنيف". صفحة 338
رحم الله مَسْلَمَة بن عبد الملك.. عَقُمَت النِّساء أنْ يَلِدْن مِثْله.
كتبه الاستاذ أنس غنام