المسلم السني ليس صاحب ايديولوجية تستعمر عقله وتسيطر عليه وتجعله في خدمتها.
السني
هو مسافر وباحث فهو مهاجر، وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي
الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ.
الهجرة
هي السير في سبيل الله والهجرة اليه على هديّ محمد صلى الله عليه وسلم.
"فَآمَنَ
لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ"
فالهجرة
الى الله هي طريق العزة والحكمة، اي ان السير فيها يزيد من قوة المرء النفسية
والروحية وتجعله اكثر ذكاءاً واكثر تحررا من الاغلال التي تطبق على انفاسه.
الهجرة
الى الله هو سلوك طريق تزكية النفس بما هي الانتقال من حال إلى حال و الارتقاء
بالنفس والعبور بها من مرتبة الإسلام إلى مرتبة الإحسان مرورا بمرتبة
الإيمان.
والمسلم الذي يسلك مسالك الهدى المحمدي يتنّقل من سعة إلى سعة اكبر فهو يتنقّل من
ضيق الجهل وفتور الهمة ووضاعة النفس إلى رحابة العلم وعلو الهمة ورفعة النفس الى
ان يلقى وجه ربه وقد استنفذ فترة سفره في الدنيا في تزكية نفسه.
وطريق
الهجرة هو طريق الفلاح الذي يدعو إليه الأذان والذي يتمثل بوصول الإنسان المسلم
بنفسه إلى حال النفس المطمئنة التي يكافئها ربها بالعودة إليه راضية مرضية.
"
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ
أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا "
منذ
نطقه بالشهادة ومنذ عقده النية على ايفائها حقها
يضع
المسلم نفسه في وضعية المهاجر الى الله فعندما ينطق المسلم بكلمة لا اله الا الله
فهو يعلن برائته مما خلا خلف ظهره من حبائل الدنيا ومنظوماتها الشيطانية وخروجه من
حال الاسترقاق لكل البرمجيات والمحددات الدنيّا التي تكبّل نفسه وروحه في طريق
الانعتاق الذي ينتقل به من الجهل والضياع في متاهات الشيطان الى النور، الى صراط
العزيز الحميد.
بل
ومن اين للمسلم معرفة الطريق الى الله ؟
هذا
السؤال يجب عليه المسلم بالشطر الثاني من الشهادة ( اشهد ان محمد رسول الله) أي
السبيل إلى الله هو باتباع الهديّ المحمدي الذي خط المسالك ووضع العلامات
والإشارات التي يقتدي بها المهاجر السالك.
الهجرة إلى الله لها مقتضياتها وهي أن يخفف المسلم من الاثقال التي ترهق روحه
ونفسه ويبدأ بتنظيف وتحصين دائرة وعيه ويبدأ بترتيب عقله ونمط حياته وتنظيف روحه
وسريرته.
لذلك
فإن الطهارة هي اول باب من ابواب الفقه السني والطهارة هي الترجمة العملية لكلمة
"لا إله".
طهارة
الجسد للصلاة.
طهارة
القلب للايمان.
طهارة
النفس للاحسان.
لقد
اهتم علماء أهل السنة والجماعة بإستنباط العلوم وطرق تزكية النفس بما عُرف بعلوم
التصوف.
والتصوف
عند اهل السنة والجماعة هو مقام الاحسان فهو مضبوط بالشريعة وهو بين الفكر والذكر.
وطريق التصوف يبدأ من البداية التي يبدأ منها الفقه اي من الطهارة وهي طهارة النفس
والقلب والسريرة.
