نزول القران الكريم باللغة العربية أمراً يجب التوقف عنده لان القرآن هو كلام الله واللغة العربية هي لغة بشر.
الله
سبحانه وتعالى اراد توجيه كلامه للبشر استكمالاً لخلق الكون واستخلاف الانسان في
الارض، فعلم آدم الاسماء كلها والاسم هو تعريف لشيء موجود او سيتم ايجاده، وتسمية
الشيء امرٌ ضروري ليأخذ مكانه في حيز إدراك الانسان، فما لا اسم له لا وجود له في
دائرة الادراك، ولهذا كان رد جواب الملائكة سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا وانت
علام الغيوب، فالاسماء التي علمها الله سبحانه وتعالى لآدم هي في حكم الغيب
بالنسبة للملائكة.
فالاسماء
التي علمها الله سبحانه وتعالى لآدم تشكل محددات الوعي والادراك التي تحكم تجربة
الانسان في الارض ضمن الغائية التي ارادها الله من خلق الكون وتسخير هذا الكون
للانسان الذي يجتاز في هذه الدنيا امتحان يحدد منزلته في الاخرة فإما ان يكون من
اصحاب الفلاح او من اصحاب الخيبة. نسال الله ان يجعل امة محمد صلى الله عليه وسلم
وهم اهل السنة والجماعة من اهل الفلاح.
الاسماء
التي علمها الله لادم تشكل اساساً الهياً لخطاب انساني، حيث ان بني آدم اخذوا
يطورن هذه اللغة للتخاطب بينهم مع تطور ظروف حياتهم على الارض، ومع ازدياد ذكاء
الانسان وتوسع دائرة ادراكه ومعارفه واكتشافه المتزايد للارض التي استخلفه الله
فيها.
ومما
لا شك فيه ان مفردات اللغة اي لغة تتزايد مع الوقت وتزداد دقة تعابيرها وتتوسع
مفرداتها حسب تطور احتياجاتها من التعابير والمصطلحات والمفاهيم.
و
مع مرور الزمن ونشوء الامم والشعوب والحضارات والاديان والثقافات، تطورت اللغات
وتشعبت وتباعدت مفرداتها وتنوعت طرق تعبيرها واصبحت اللغة كما كان حال الاسماء
التي علمها ربنا لادم تحتوى على محددات شخصية وخصائص كل شعب وكل امة.
اي
ان اللغة بمفرداتها ومصطلحاتها ومفاهيمها هي بالنسبة لكل شعب مصفوفة القيّم
والاخلاق التي تتشكل منها منظومته الفكرية والثقافية وبالتالي هويته الحضارية.
العرب
كغيرهم من شعوب الارض قاموا بتطوير لغتهم الخاصة بهم وكانوا دائماً السباقين في
مجال الحضارة والتطور الانساني والانفتاح على الشعوب الاخرى وشكلوا مصدراً
للاقتباس وستأخذ عنهم الشعوب التي تجاورهم والتي كانوا يدخلون على علاقة معها،
وهكذا نقل اليونان الابجدية العربية خلال طورها الثالث وانتقلت منها الى اللاتينية
ثم الى اللغات الاوروبية الحديثة التي تستعمل الابجدية العربية حسب تسلسل ابجدهوز.
في
الفترة التي تنزّل فيها القران كانت الارض تعج بالحضارات المتعددة وقد ظهرت
وتتابعت امبراطوريات كثيرة وتأصلت ثقافات لها لغاتها ومنظوماتها الحضارية، فما
الذي جعل القران يتنزل باللغة العربية وليس بغيرها من اللغات وما الذي يميز اللغة
العربية عن غيرها من اللغات حتى يختارها الله لتنزيل كلامه بها وما الذي يميز
العرب عن غيرهم من الشعوب حتى يختارهم الله لحمل رسالته والتي تتطلب فيما تتطلب
خصائص انسانية راقية جديرة بان تجسد الهدي الرباني.
اذاً
ما الذي يميز اللغة العربية عن غيرها من لغات العالم القديمة والحديثة.
ان
ما يميز اللغة العربية عن غيرها من لغات العالم هي اتساعها والدقة المتناهية في
معانيها وقيامها على الاشتقاق والمجاز.
عندما
نتكلم عن العرب فيما يخص اللغة العربية او اللسان العربي انما المقصود هم عرب
الجزيرة العربية والمنطقة الحجازية بالذات.
البداية
كانت مع سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام عندما اتى بابنه اسماعيل وامه هاجر الى
وادٍ غير ذي زرع عند بيت الله المحرم. في منطقة نائية جداً عن المعترك الحضاري حيث
لا فساد ولا إفساد بل النقاوة والنظافة في احلى صورها. ورفع ابراهيم واسماعيل
القواعد من البيت ليكون محجاً ومركزاً لامة العرب واصبحت مكة مركزاً روحياً
وحضارياً لعرب الجزيرة العربية.
لقد
كان لسيدنا ابراهيم ولدان اثنان، اسماعيل واسحاق، اسحاق استقر مع ابيه ابراهيم في
فلسطين اي على مفترق الطرق الحضارية والعسكرية اي في خضم المعترك الحضاري ويذلك
تعرض بني اسحاق او بتعبير ادق بني يعقوب الى كل المؤثرات الحضارية والثقافية للامم
التي تجاورهم وكانوا بشكل شبه دائم خاضعين للنفوذ والهيمنة الغريبة عن اثر ابراهيم
والانبياء الذين تعاقبوا بعده.
اما
سيدنا اسماعيل عليه السلام فقد استوطن في محيط نظيف من كل المؤثرات الثقافية لامم
الارض وقام بوضع الاساس لبناء امة وفقاً
للحنيفية الابراهيمية ووفقاً للمناقب العظيمة التي كان يتحلى بها سيدنا
اسماعيل وهو نبي من اولي العزم.
لذلك
فان امة العرب المتحّلقة حول مكة المكرمة اي حول البيت العتيق الممدود بسبب الى
السماء مع البيت المعمور،…
ويعد
بلوغ البلاغة العربية قمتها بدأ التباطىء في بلوغ قمم اعلى واعلى من البلاغة
الشعرية لان لقدرات الانسان حدود لا يمكنه تجاوزها فان حدود العبقرية العربية
اصطدمت بحدود ما يمكنه للانسان من سبر اغوار النفس والفطرة الانسانية وبما يتجاوز
حدود احساس الانسان ولكن يبقى للعرب فضل النفاذ من اقطار البلاغة واستكشاف مكنونات
النفس وتلاوين الاحاسيس وسبك الكلمات والحروف والعبارات المتناهية الدقة.
فبذلك
يكون العرب الشعب الوحيد الذي كرس عبقريته الفذة ولمدة قرون طويلة لبناء لغة يسكب
فيها ذات الانسان ويبلغ ابعد مدى في ذلك واستحق بجدارة ان يأتي التنزيل الحكيم
بلسانه العربي المبين وشرّف الله امة العرب بان كانت الجائزة انا انزلناه قرآناً
عربياً لعلكم تعقلون.
ثم
ان كلمات اللغة العربية ذات تسلسل متناسق في العمق والتعبير تجعل الكلمة تحمل
معاني كثيرة متدرجة بالعمق والدقة المتناهية بالوصف وهذا ما يختص به المجاز
والتشبيه والكناية والاستعارة والتأويل وغيرها من امكانيات اللسان العربي البلاغية
والتعبيرية ولكلٍ من هذه الخصائص قواعدها الخاصة التي لا يلم بها الا المتخصصين
الضالعين.
اللغة
العربية هي وعاء المنظومة الاخلاقية، لذلك فالعربية هي اللسان ومن تكلم العربية
فهو عربي لان العربية تطبع في روحه ونفسه منظومة القيم والاخلاق التي تحملها.
"وما
بعثت الا لأتمم مكارم الاخلاق"، هذا ما قاله الحبيب المصطفى عليه الصلاة
والسلام، اتى متمماً لمكارم الاخلاق اي متمماً لهذه المنظومة الاخلاقية إرث
اسماعيل وابراهيم التي بنى عليها العرب مناقبهم وخصالهم، وجعلوا منها ارقى واسمى منظومة
اخلاقية في تاريخ البشرية، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ان خياركم في
الجاهلية خياركم في الاسلام هو تأكيد على اهلية هذه المنظومة الاخلاقية لان تكون
اساساً لمنظومة اخلاق الدين الحنيف.
لقد
قامت المنظومة الاخلاقية العربية على معايير الكرم والمروءة والشجاعة والاعتداد
بالنفس والنخوة واغاثة الملهوف واجارة الخائف، …. فلم يشتهر عن العرب غدرٌ او
خيانة او انتقاض للعهود.
كما
طور العرب نظام احترام اجتماعي ونظام تداول سلمي للسلطة على مستوى مشيخة القبائل.
كما
اشادوا تراتبية راقية للاحترام والتقدير ووضعوا مفاهيم اخلاقية هي عبارة عن حدود
ذاتية للحفاظ على النظام العام ويأتي مفهوم العار مثلاً ليشكل الاطار العام
لمراقبة فردية ذاتية وجماعية.
وشاعت
مقولة " لئلا يقول العرب " كرادع ذاتي وكقانون اخلاقي ومقياس قيمة تمنع الانسان العربي من
انتقاص قيمته الذاتية.
قبل
الاسلام كان العرب في جاهليتهم شامة بين الامم واصبحوا بعد الاسلام نجوماً يُهتدى
بها. فلقد تبث الاسلام العرب في اخلاقهم واكرمهم الله بمعرفته بعد ان كانوا جاهلين
به، فالفرق بين الجاهلية والاسلام عند العرب هو ان الاسلام هو معرفة الله
والجاهلية هي الجهل بالله
