في شهر حزيران من عام ٦٣٣ ميلادياً الموافق العام الحادي عشر من هجرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، إنتشر في جزيرة العرب نبأ انتقال الرسول الى الرفيق الاعلى.
بموت
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ظن الشيطان واعوانه ان هناك فرصة لإعادة عقارب
الساعة إلى الوراء. الانقضاض على الدين الجديد وهو في ظنهم أنه لا يزال ضعيفاً ولم
تتقوى وتتمدد جذروه بعد وأن حالة الإرباك التي تسود في أوساط المسلمين ستكون
الفرصة المؤاتية لزعزعة هذا البنيان المسلم
الجديد الطرّي.
خاصة
وانه يتحّلق حول الجزيرة العربية جيوش الامبراطوريتين البيزنطية والفارسية وهي
متأهبة للقضاء على الاسلام ولتوجيه المساعدة لكل من يريد شراً بالدين الجديد.
وربما
اخذ الشيطان يفرك يديه فرح، فإن دورته التي كانت على وشك الافول والانتهاء ها هي
الموازيين تنقلب من جديد لصالحها حتى تستمر الى ما نهاية.
وعلى
امتداد الجزيرة العربية كان الاستنفار على اشده حيث نشط ابليس واعوانه لاصطياد
النفوس الضعيفة لاعادة احياء نزوات الشر في نفوس الناس وتم وضع العنوانين على
عواهنها، انبياءٌ جدد بدؤوا في الاعلان عن انفسهم، وبدأت تنتشر عنوانين التمرد
الشيطاني : الامتناع عن دفع الزكاة، عدم شرعية ابو بكر لينقاد له العرب، هل تستمر
لابو بكر البيعة التي اعطيت للنبي،…
لا
يهم التفاصيل والعنوانين لانها ليست اكثر من شِباك يرميها الشيطان لتناسب كل
الاذواق، فمن لم يقتنع بهذه سيقتنع بتلك، المهم ان هناك انقلاب شيطاني للاستفادة
من حالة الارباك في المنظومة الرحمانية وعلى الشيطان واعوانه التحرك بسرعة.
في المدينة المنورة، حالة الارباك كانت على
اشدها، فبموت النبي صلى الله عليه وسلم انتهى عهد النبوة.
وماذا بعد عهد النبوة ؟
وكان على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
التحرك بسرعة لتحديد الخيارات وكانوا في وضع لم يألفوه من قبل.
على
اي اساس ستستمر الحياة بعد رسول الله وما هو شكل هذه الاستمرارية ؟
لقد توقف زمن النبوة.. ويجب اختراع زمن جديد…
اي كان على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقد اُوكلوا الى انفسهم تحديد خياراتهم المستقبلية، بما يرُضي الله وما يُرضي
رسوله. اي بما يتوافق مع الغائية الرحمانية لهذا الكون. فهم اللان الامناء على
دورة الرحمن وعليهم - كما هو حال اهل
الشام اليوم- الغوص في اعماق نفوسهم لإستخراج محددات الوعي الرحمانية وطبعها في
حركة الزمن تأهباً لصناعة الزمن السني القادم.
وبالرغم
من حالة الارباك، ومن وجود رواسب الحقبة السابقة وقرب عهدهم بالجاهلية، فقد تمكن
صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوصول وبسرعة قياسية ومدهشة - قصمت بلا شك
ظهر الانقلاب الشيطاني - فقد توصل هولاء الكرام الراضين المرضيّن الى جمع كلمتهم
وتأليف نفوسهم حول صدّيق هذه الامة سيدنا ابو بكر رضي الله عنه.
وبهذا
فقد تم اقفال منافذ ابليس ولم يتبقى للشيطان الا ساحة النفوس الضعيفة خارج المدينة
ليلعب بها.
