بدأ تمرد ابن الزبير رضي الله عنه بعد أن كان بالمدينة وطلب منه الوالي البيعة ليزيد فرفض وذهب لمكة. وتركه يزيد، لكن بعد مقتل حسين بن علي، بدأ ابن الزبير يخطب الناس ويحرض على يزيد. وهنا أستدعاه يزيد، وكان قائد الشرطة الأموية هو عمرو بن الزبير. لكن عبد الله فاجئ أخاه الذي لم يحتاط وقبض على عمرو الذي استسلم وطلب الأمان. لكن عبد الله قتله تحت التعذيب.
فعاد ابن حنظلة ومن معه وقد أضمروا الغدر، فما إن وصلوا للمدينة حتى نقضوا بيعتهم وأخذوا ذلك المال وجهزوا به الناس للتمرد والعصيان على الخلافة، وانضموا لابن الزبير.
روى المدائني، عن صخر بن جويرية، عن نافع: لما رجع أهل المدينة من عند يزيد مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدّى حكم الكتاب. فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة، قالوا: فإن ذلك كان منه تصنّعاً لك. فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا. قالوا: إنّه عندنا لحق وإنّ لم يكن رأيناه. فقال لهم أبى اللـه ذلك علـى أهل الشهادة، فقال {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}... الخ.
علما أن محمد بن الحنفية أخو الحسين بن علي، و قد فجع بقتل إخوته و أقاربه في كربلاء. ، ثم أقام عند يزيد وهو أدرى به. فلو شاهد أيّ إشارة على فسق يزيد لكان أول من دل عليها. و مع ذلك فقد دافع عن يزيد و لم يخلع بيعته ليزيد و لم يشارك في معركة الحرة. قال أبو جعفر الباقر: «لم يخرج أحد من آل أبي طالب و لا من بني عبد المطلب أيام الحرة».
ثم حاصروا حي بني أمية بالمدينة وقطعوا عنهم الماء حتى كادوا أن يهلكوا وفيهم النساء والأطفال ثم أذنوا لهم أن يخرجوا للشام، وكانوا قرابة الألف. وهذا ذكر الشاميين بما حصل لعثمان بن عفان بالضبط. و ابن عمر كان يتمنى –قبل وفاته– قتال الفئة الباغية، و حين سئل عن الفئة الباغية قال: «ابن الزبير بغى على بني أمية فأخرجهم من ديارهم و نكث عهدهم» (تاريخ ابن عساكر 31|193). وهذا كان من أسباب وقعة الحرة كما ذكر ابن حجر. فلمّا انهزم أهل المدينة والصبيان كما سيأتي، قال ابن عمر: «بعثمانَ و ربُّ الكعبة». رواه المدائني، عن علي بن عبد الله القرشي، وأبي إسحاق التميمي.
لم يشترك في الفتنة أحد من الصحابة و لا وافقوا على الخروج. حتى أن العصامي قال: «و لم يوافق أهل المدينة على هذا الخلع أحد من أصحاب رسول الله ﷺ». وفي صحيح مسلم #1851: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله ﷺ يقوله: «من خلع يدا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية».
وفي صحيح البخاري #7111: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية، جمع ابن عمر، حشمه وولده، فقال: إني سمعت النبي ﷺ يقول: «ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة» وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال، وإني لا أعلم أحدا منكم خلعه، ولا بايع في هذا الأمر، إلا كانت الفيصل (أي السيف) بيني وبينه.
بعد كل هذا لم يجد يزيد بدا من إرسال جيش لقمع التمرد، ومع ذلك لما وصل هذا الجيش أنذرهم وطلب منهم أن يبايعوا وهو يكمل طريقه إلى مكة، فأبوا. وظنوا أن الخندق سيمنع الجيش الشامي عنهم، فأول ما بدأ القتال، قام بنو الحارثة بإدخال الجيش الشامي من جهتهم فانهزم المتمردون، وفروا.
ولدينا هنا روايتين: رواية وهب بن جرير (ت206هـ)، عن جويرية بن أسماء عن أشايخ من أهل المدينة: "دخل مسلم بن عقبة المدينة ودعا الناس إلى البيعة على أنهم خول ليزيد بن معاوية". وهناك رواية رواها الطبري عن هشام بن محمد عن عوانة بن الحكم (ت147هـ)، و تؤكد أن مسلم بن عقبة دعا الناس بقُبَاء إلى البيعة – أي بيعة يزيد– ففعلو و قتل مسلم المعارضين و المشاغبين منهم فقط.
قال هشام: وقال عوانة بن الحكم: لما أتى بعليّ بن الحسين إلى مسلم، قال: مَن هذا؟ قالوا: هذا عليّ بن الحسين؛ قال: مرحبًا وأهلًا؛ ثم أجلَسَه معه على السرير والطِّنفِسة، ثم قال: إنّ أمير المؤمنين أوصاني بك قبلًا، وهو يقول: إنّ هؤلاء الخبثاء شغلوني عنك وعن وُصْلتك؛ ثم قال لعليّ: لعلّ أهلك فزِعوا! قال: إي والله! فأمر بدابّته فأسرِجتْ، ثمّ حمله فردّه عليها.
كل ما حصل أن الجيش الأموي قاتل الذين خرجوا بالسيف على الخلافة ومن ثمّ أخذوا البيعة للخليفة لتُجمع كلمة المسلمين. وفي الصحيح عن عرفجة، قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه».
1- لم يثبت أن أحدا من الصحابة شارك بالقتال بالحرة أو قبل بخلع العهد
2- لم يثبت أن أحدا من الصحابة (ممن صحت له الصحبة) قتل فيها
3- لم يثبت أن يزيدا أمر بنهب المدينة، بل المروي أن جيشه قتل من حمل السلاح فقط، وأن يزيد تألم على ما حصل لأهل المدينة
4- لم يخرج أحد من بني هاشم ولم يتعرض الجيش الشامي لأحد منهم
5- عدد القتلى لا يتجاوز 306 من الجانبين حيث قامت المصادر بتسجيل اسمائهم فردا فردا و عشيرة عشيرة
6- الصحابة حزنوا على من مات من أبنائهم من سوء المصير لأنهم نقضوا العهد ولم يكونوا شهداء.
بل روى المدائنى (وهو ثقة) أن مسلم بن عقبة بعث روح بن زنباع إلى يزيد ببشارة الحرة فلما أخبره بما وقع قال «واقوماه». ثم دعا الضحاك بن قيس الفهري فقال له: «ترى ما لقي أهل المدينة فما الذي يجبرهم»؟ قال: «الطعام و الأعطية». فأمر بحمل الطعام إليهم و أفاض عليهم أعطيته.
كتبه فضيلة الشيخ السني الأموي د. وسام العظمة (دكتوراه في علم الحديث)