هناك اوجه شبه كبيرة بين زمننا هذا وزمن ابو حامد الغزالي. ففي زمن الغزالي عم الخبث وانتشر الدين الباطني وكانت بدايات الحرب الشيعية-الصليبية على بلاد المسلمين وخاصة بلاد الشام.التشيّع في الجسم السني هو كمرض السرطان الذي يتفشى في الجسم ليدمره من الداخل. التشيّع في الجسم السني هو تلوث فكري وعقائدي وروحي من حيث اختلاط المفاهيم وتماهي الامور ببعضها البعض مما يحجب الرؤية ويصبح الانسان المسلم في الحالة التي وصفها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث ان الفتن تكون كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي الرجل مؤمنًا ويصبح كافرًا.
منذ هزيمة جيوش المسلمين في معركة الزاب امام جيوش الحلف العباسي المجوسي انهارت كل مقومات الحصانة السياسية امام الاختراقات الفكرية الباطنية (الشيعية المجوسية) مما دفع بعلماء الامة الى بذل جهود جبارة من اجل حماية الدين والعقيدة والمجتمع المسلم من التلوث، عبر استنباط العلوم التي تحمي الدين والعقيدة، فكان علم الكلام للدفاع عن الدين بالحجج العقلية وكان علم الحديث الذي بلغ ذروته مع البخاري الذي كان يهدف الى وضع حد لصناعة الاحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث برع العباسيون ومعهم الشيعة في اختلاق الاحاديث المكذوبة، بعد ان تمكن جيل الصحابة والجيل الاول من التابعين في إحكام تحصين القرآن الكريم ضد محاولات العبث بنصوصه.
كما قام علماء المسلمين باستنباط علم الجرح والتعديل لكشف جحافل الكذابين الشيعة والعباسيين الذي امتهنوا صناعة الاحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اذاً كان استنفار علماء المسلمين كاملاً للدفاع عن الدين ولدرء الكذب عن رسول الله عبر كشف وفضح آليات الكذب والتدليس. لا شك ان علماء المسلمين نجحوا نجاحاً كبيراً في حماية الاسلام من الباطنية بالرغم من وجود سلطة عباسية متحالفة مع السبئيين سياسياً ولكنها تتمايز عنهم في الغالب عقائدياً بسبب تناقض المصالح بين العباسيين من جهة وبين الشيعة والمجوس من جهة اخرى وهذا التناقض اعطى علماء الامة فسحة وهامش من الحركة.
انهماك علماء الامة ومفكريها واستنفارهم للدفاع عن الدين استنفذ جلّ اهتمامهم وجهودهم ولم تشمل هذه الجهود التوثيق التاريخي للاحداث الذي بقي مرتعاً للتزوير والكذب حيث ان العباسيين اطلقوا العنان للمؤرخين الشيعة في كتابة التاريخ وتزويره بدون حسيب او رقيب.
لقد فتح العباسيون الباب على مصراعيه امام التغلغل والتغوّل الشيعي مما ادى الى قيام دول شيعية كثيرة وكان هناك العصر الشيعي الذي امتد لاكثر من قرنيين قام الشيعة خلال هذه الفترة باستدعاء الحملات الصليبية على بلاد الشام ومصر، حيث ان وصول الصليبيين وتسلمهم القدس من الحامية الشيعية الفاطمية حصل خلال فترة اعتكاف ابو حامد واختبائه في دمشق للتفكير وللكتابة.
خلال قرنين من الزمن تم استباحة بلاد المسلمين من قبل اتباع الدين الباطني وقامت خلال هذه الفترة دول شيعية تمارس الاجرام بكل اشكاله، فكانت الدول الفاطمية والبويهية والحمدانية والقرامطة. كل هذه الدول كانت تتستر بالاسلام وترتكز بشرعيتها على الموروث الروائي الذي تم تزويره واختراع عشرات بل ومئات الاف الاحاديث المكذوبة التي تختصر الاسلام بخرافة آل البيت وبخرافة إمامة علي بن ابي طالب وبمظلومية حسين بن علي وبسلسلة الائمة المزعومين من نسل حسين بن علي من السبية الفارسية. كما ان مفهوم المهدي تم استخدامه بشكل كثيف مباشرةً بعد مقتل حسين بن علي وكان يتم صناعة الاحاديث المكذوبة بشكل يتناسب مع المشاريع السياسية.
والخطورة في كل ذلك هو تسرب المفاهيم الشيعية الى الثقافة السنية حيث ان مجاراة الامور كانت تدفع ببعض علماء المسلمين من وقت لاخر الى التساهل في امور اعتبروها ثانوية لانهم لم يقدروا خطورتها مع الوقت كما حصل مع احمد بن حنبل الذي حشر في مسنده مع العلم المسبق احاديث مكذوبة متعللاً انه لا بأس في التساهل باحاديث الفضائل وخاصة فضائل علي بن ابي طالب كما قام باعتبار علي بن ابي طالب الخليفة الرابع واضعاً في دائرة الخطأ جلّ الصحابة الكرام وعلى وجه الخصوص ام المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها والصحابة العظام كامثال عثمان وطلحة والزبير ومعاوية ومروان وعمرو بن العاص وسعد بن ابي وقاص وغيرهم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم اجمعين.
الاختراق الباطني السبئي في الاسلام ارتكز على خرافة تم بنائها انطلاقاً من شخصية علي ان ابي طالب وابنه حسين ونسل حسين من السبية الفارسية واختراع سلسلة أئمة معصومين، لذلك فإن الكمية الهائلة من الاحاديث المكذوبة حول علي بن ابي طالب وابنائه هي اداة الحرب الباطنية ضد الاسلام. لقد تم صناعة هذه الاحاديث بشكل ممنهج ومدروس بحيث انها تشكل شبكة متكاملة من الكذب تتداخل في كل مفاصل تاريخ زمن الصحابة وتؤدي الى نتيجة يصدح بها الشيعة صباحاً مساء وهي ان كل الصحابة ارتدوا عن الاسلام الا علي بن ابي طالب وبعض اصحابه الذين شاركوا في الانقلاب على عثمان رضي الله عنه وشاركوا علي بن ابي طالب في حربه على ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعلى الصحابة والمسلمين في الجمل وصفين.
لقد توج انتصار الحلف العباسي المجوسي على جيوش المسلمين في معركة الزاب سلسلة من الانقلابات والمعارك التي قام بها السبئيون منذ انقلابهم الاول ضد عثمان رضي الله عنه وتولي علي بن ابي طالب قيادة جيوشهم في موقعة الجمل ومعركة صفين ثم خروج حسين بن علي فيما يشبه محاولة انقلابية انتهت بقيام السبئيين بقتله في كربلاء ليصنعوا منه رمزاً لدينهم الباطني الشيطاني، ثم الى ثورة المختار الثقفي التي تحوّل السبئيين بعدها الى العمل السري وقاموا بإنشاء الحركات السرية وحبك المؤمرات التي نجحت في نهاية المطاف بالانقضاض على الاسلام واهله وقيام الدولة العباسية التي اسست شرعيتها على جزء كبير من الاطروحات السبئية وخاصة على مفهوم آل البيت الخرافي وعلى افضلية بني هاشم على سائر العرب وعلى الطعن بالصحابة وعلى تزوير الاحاديث النبوية وتزوير التاريخ اضافة الى القيام بحملة ابادة جسدية ضد كل ما يمت لبني امية بصلة ونبش القبور وحرق عظام الموتى في تفلت بشع واجرامي لم يشهد له العرب مثيلاً في تاريخهم.
لقد التقت المصلحة العباسية مع السبئيين على حساب المسلمين واستكمل السبئيين دينهم الباطني وجعلوه يستقر في الفضاء المسلم وتداخلت المفاهيم الباطنية مع المفاهيم الفقهية والعقائدية ورجحت كفة الموروث الروائي على القرآن الكريم مما حدا بعلماء المسلمين بذل الجهود العظيمة للوقوف بوجه العمل الممنهج لاتباع الدين الباطني في تلويث العقل السني بعقائدهم الباطلة وخرافاتهم واكاذيبهم.
وبالرغم من جهود علماء المسلمين للوقوف في وجه الاختراقات الباطنية في الاسلام إلا ان استحكاماتهم كانت اضعف من ان تؤمن حصانة كاملة ولم تتمكن من منع الباطنية من تلويث العلوم والعقائد والممارسات الدينية للمسلمين.
فقد استقر منذ العهد العباسي نوع من الاجماع المفروض الذي يعتمد ملائمات او تنازلات كثيرة للدين الباطني، حيث ان هذه التنازلات لا تستقيم مع عقل او مع منطق او مع ابسط قواعد الفقه والعقيدة (لقد تم معالجة هذه النقاط في المنظومة الفكرية السنية).
الفترة التاريخية التي عاش خلالها الامام الغزالي رحمه الله كانت من اخطر الفترات التاريخية التي سيطر فيها الدين الباطني وتغلغلت افكاره ومبادئه وعقائده وممارساته في كل مفاصل الفضاء المسلم وانحدر الوعي المسلم السني الى ادنى مستوى وتعطلت آليات عمل المجتمعات السنية وتدمرت حصانتها وإضافة الى الخبث الباطني الشيعي الذي يتغطى بغطاء علي وابنائه واحفاد حسين من السبية الفارسية إضافة الى كل اللقطاء وشذاذ الافاق الذين ادّعوا الانتساب الى خرافة آل البيت كان على المسلمين ان يواجهوا الحملات الصليبية التي اتت بمئات الالاف من الوحوش البشرية الصليبية المتشبعة بالحقد والتي تتشارك مع الشيعة في حقدهم على العرب والمسلمين وفي انتسابهم الى دين ابليس.
و في الوقت الذي كان المسلمون منهمكون بمواجهة الحلف الشيعي الصليبي كانت هناك مفاجأة اخرى بانتظارهم وهي الحلف الشيعي المغولي الذي اطبق على بلاد المسلمين كالاعصار من اقصى الشرق يقتل ويحرق ويدمر ولا يترك ورائه الا الرماد والخراب والجثث المتناثرة .
كل الجهود التي كان يبذلها المسلمون آنذاك لتصحيح الوضع ولوضع حد للتكالب الشيعي والصليبي كانت لا تأتي بالنتائج المرجوة وكانت الهزائم تتراكم وكان الانحدار من درك الى درك اسفل منه هو التسلسل الطبيعي لمجريات الامور وبدت الامور وكأن القدر السني اصبح هو الهزيمة تلو الهزيمة وان سيول دين ابليس اي الدين الباطني سيجرف الاسلام واهله.
لا شك ان العقول السنية انكبت على دراسة الوضع آنذاك وعلى محاولة فهم آليات الامور لتحديد مكامن الخلل وسبب هذه القابلية للهزيمة وما هو المطلوب من اجل اعادة الامور الى نصابها وكيفية العمل لتمكين الجسم السني من استعادة حيويته وتجديد شبابه واستعادة زمام المبادرة.
وهنا كان دور الامام الغزالي رحمه الله الذي شخص مكامن الخطر المتمثلة بالكوابح الداخلية المتمثلة بالاختراقات الباطنية التي تعطل العقل السني وتلوث نفسه وتجعله في حالة تناقض مع ذاته وكان لا بد من اعادة تعريف الامور وتفكيك اذرع الاخطبوط الباطني الشيعي عن عقل ونفس الانسان السني حتى يستعيد قدرته وحيويته الحضارية.
وانكب ابو حامد الغزالي على هذا العمل الجبار وانتج للامة موسوعته إحياء علوم الدين والمنقذ من الضلال وفضائح الباطنية وتهافت الفلاسفة اي ان ابو حامد الغزالي رحمه الله قام بتشخيص عام للامراض التي تعاني منها الحضارة السنية واعطى وصفات المعالجة وانقذ العقل السني من الضياع ووضع مخططات الخروج من المتاهات التي رسمتها له الباطنية وحدد نقطة الانحراف التي يبدأ عندها التشيّع وهي ذم الخليفة امير المؤمنين يزيد بن معاوية الذي استفتحت خلافته فترة التابعين وهي من خير القرون.
العمل الذي قام به الامام الغزالي رحمه الله واثابه على خير ما فعل مكّن النخب السنية من الرؤية بوضوح ومن العمل بكفاءة عالية مكنت المسلمين من وضع حد لسرطان التشيّع والقضاء على الدين الباطني وحصر وجوده في اوكار مظلمة وطهروا البلاد من الصليبيين واعادوا تجديد حضارة الاسلام واقاموا الدول المزدهرة.
لقد خاض الغزالي رحمه وبمفرده معركة الوعي ونذر نفسه لله ولخدمة المسلمين وقدم سابقةً للاسلام واهله وكان لا بد من متابعة ما قام به الغزالي لاعادة احياء التوثب الحضاري عند المسلمين بعد احياء التوثب الديني ولإختراق دين ابليس وتفكيكه من داخله.
معركة الوعي التي تخوضها النخبة السنية اليوم هي تكملة لمعركة الوعي التي خاضها الامام الغزلي والتي هي جزء لا يتحزأ من الصراع بين الحق والباطل الذي بدأ مع بداية الخليقة.
"قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ"
#المنظومة_الفكرية_السنية من أجل ثقافة #سنية خالية من #التشيع