الخروج الثاني يأتي كعطفٍ على الخروج الاول، عندما خرج جيل الصحابة رضوان الله عليهم، من خارج السياق التاريخي للمنظومة الحضارية في عصرهم و ابدلوا مفاهيمها التعسفية بمفاهيم جديدة تحمل قيمّ الرحمة والتسامح والحنو على الاخر. وجعلوا من انتشارهم العسكري في العالم بعد انتهائهم من تحرير الاراضي العربية حرب تحرير للشعوب المستضعفة والمهمشة حتى يُتيحوا لها المجال للخروج من حالة التهميش والانخراط في المعترك الحضاري للانسانية في دورتها الرحمانية المرتكزة والمتجذرة في الهدي المحمدي والتي اسس لها واطلقها من عقالها سيدنا ابو بكر الصديق رضي الله عنه.
خلال
الخروج الاول قام اجدادنا الكرام بتدمير منظومة الدول التعسفية القائمة على
الجبروت والتسلط على الشعوب وسلب خيراتها واسسوا لمنظومة عالمية قائمة على التبادل
والتجارة وعلى الازدهار واطلاق النبوغ الانساني من عقاله وعلى ارساء منظومة
اخلاقية قدوتها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حالة
العالم اليوم شبيهة بحالة العالم عشية الخروج الاول (خروج اجدادنا الصحابة رضي
الله عنهم) وحالة انكماش قيّم الهدي الرباني والقيم الاخلاقية وانتشار قيّم الزيغ
والضلال واحابيل ابليس بما يُشكل اكبر واخطر تقهقر لقيمة بني آدم الذي اكرمه الله
وحمله في البر والبحر ورزقه من الطيبات وفضله على كثير ممن خلق.
فالمنظومة
الرحمانية هي طريق ارتقاء الانسان ورفعته عبر تحقيق انسانيته اولاً ثم التدرج في
مدارج ومعارج الارتقاء التي تفتح له الابواب والافاق في عالم الغيب (العالم غير
المنظور) التي يُشكل عالم الشهادة (العالم المنظور) عتبة الدخول اليها.
اما
المنظومة الشيطانية والتي نعيش دورتها الآفلة بإذن الله فانها تهبط بالانسان الى
درك البهيمية الى ان ينتهي به المطاف الى ان يصبح من النفايات الكونية التي
ستحرقها نار جهنم.
فالعالم
في تحول دائم و تاريخ الإنسانية هو عبارة عن تتابع حقب زمنية تسير في اتجاه
تحدده الإرادة الإلهية من وراء خلق هذا الكون ومن وراء تجربة الإنسان على الأرض
عقب
تعاقب دورتين دورة الرحمن ودورة الشيطان.
والفوز
في نهاية المطاف كما عبرت عنه الاية الكريمة :
قد
افلح من زكاها وقد خاب من دساها.
دورة
الرحمن تتجه مسالكها الى مرضاة الله.
دورة
الشيطان تؤدي مسالكها الى جهنم وبئس المصير.
للخروج
الثاني اهله وهم اهل الصبر والامتحان والابتلاء الرباني، اهل البسمة المرضية التي
ترتسم على الجرح لانها بسمة الرضى بامر الله.
للخروج
الثاني اهله وهم اهل الدرر والحكم تخرج في افواه اطفالهم حتى ترانا ونحن رجالاً
وشباباً وكهولاً نستمد القوة من كلمات اطفالنا حين الابتلاء.
للخروج
الثاني اهله وهم من ادار لهم العالم ظهره بل فهم من اداروا للعالم ظهورهم لانهم استقبلوا
وجه الله عز وجل.
