السردية البديلة مع الدكتور جورج صليبا:
يزعمون أي فكر فيه دين يعني معارض للعقلانية، لتفسير لماذا حصل ركود بالعلوم العربية الإسلامية وبهدف خلط الحابل بالنابل وطمس الأمور عثروا على كتاب هائل مهم جدا كتبه حجة الإسلام الامام الغزالي رحمه الله – تهافت الفلاسفة – لكنه لم يقل تهافت الفلسفة أي تهافت العلوم!
ليقولوا بخبث ان الغزالي المتدين صاحب كتاب احياء علوم الدين هو سبب القضاء على العلم العربي واثبات ان الدين يتعارض مع العقل!!
مقولة "العلم انتهى مع الغزالي" هي خرافة ابن رشد ويروجها الاستعمار الغربي المسيحي .
هناك مقولة ان العلوم في الحضارة العربية أتت من اليونانية عبر اللغة السريانية (السريانية اخت العبرية) بما انه لايمكن حضارة تأخذ من حضارة أخرى بدون ان تترك اثر لابد ان نتعقب هذا الأثر ومعلوم أي شيء تترجمه من لغة الى لغة أخرى تتغير لذلك أردت الاطلاع على النصوص السريانية التي انتقل بها الحضارة اليونانية الى العربية (انتقال الفكر اليوناني الى الفكر العربي عبر السريانية - لذلك ست سنوات درست اللغة السريانية لمعرفة النصوص السريانية التي لها علاقة بالعلوم وهناك كانت المفاجأت حيث وجدت 99% من الادب السرياني الباقي لدينا هو تعليق على التوارة (تعليق على الكتاب المقدس) ليس له علاقة بالعلوم اطلاقا – هذا دليل علمي قطعي على تهافت مقولة ان العلوم بدأت باليونان وانتقلت إلى العرب عبر اللغة السريانية وعندما نام العرب أخذت أوروبا هذه العلوم !
لا يمكن تبسيط انتقال العلوم من اليوناني الى السرياني إلى العربي هذه الأمور لها تعقيدات كثيرة، التصور الفلكي عند مختلف الشعوب مختلف حيث وصف عالم الفلك عبدالرحمن الصوفي في كتابه الكواكب الثابتة (القرن الرابع الهجري حوالي سنة 370 هجرية) عن الكواكب والنجوم المباشر من البدو الحضارة العربية السابقة (ما بين كوكبة الدب الأكبر وكوكبة الدب الأصغر هناك كوكبة الثعبان التي كانت تسمى دراكول عند علماء الفلك اليونان ..) يختلف تصور علماء اليونان مثل بطليموس قمة المعارف اليونانية واشهر علماء الفلك عندما كان يكتب في الاسكندرية المستعمرة اليونانية (القرن الثاني الميلادي حوالي سنة 170 ميلادية ) ويقول الصوفي :
انما العرب كانت تسمي الأربع نجوم في رأس الثعبان العوائد أي الأبل العائدة وفي قلب العوائد الجمل الصغير "الكاعود" يلتفوا حوله لحمايته من الذئب !! الصوفي قارن بين مفاهيم علوم الفلك السائدة عند العرب وعند اليونان فوجدها مختلفة . عبدالرحمن الصوفي قام بعمل جبار وهو الية تجمع كيفية فهم الفكر اليوناني والثراث العربي بمعني اخر يمكننا القول لا ينتقل العلم من حضارة إلى حضارة أخرى بل كل حضارة تبني علومها على أسس علمية لحضارة تسبقها وتطورها ..
الحضارة اليونانية نفسها استعمرت من الحضارة اللاتينية (حيث في تلك الفترة الإمبراطورية الرومانية لايوجد فيها كتاب واحد بعلم الفلك باللغة اللاتينية) حيث كل دول تستعمر دول أخرى تأخذ منها الأفكار والعلوم لذلك تجد الفلاسفة المشهورين ليس من الرومان وكذلك العلماء المشهورين ليسوا من الرومان .. الدولة الرومانية تحتل أراضي الحضارة اليونانية فاصبح خلاف باللغة – اليونان بقوا يتكلمون اليونانية والرومان يتكلمون اللاتينية لذلك لاحقا انشقت الحضارة الرومانية إلى قسمين وأصبحت الرومانية الشرقية التي تسمى الحضارة البيزنطية واعتنقت الدين المسيحي وبقيت الرومانية الغربية وثنية يعبدون الهة مثل جوبيتر ومارس والخ .. في بداية القرن الرابع الميلادي البيزنطية اعتنقوا المسيحية بمشاكلها وعلاتها حيث أي شعب يعتنق أي دين جديد يصبح عنده تناقضات ويطرح أسئلة عن معنى الرسالة ويبحث عن أجوبة لها والخ مثلا هل مريم العذراء هي أم الله ام هي فقط مريم العذراء التي ولدت عيسى كما وردت في القرآن ! هل يسوع المسيح هو ابن الله ام عيسى رسول الله وكل هذه الأسئلة بدات تطرح عن طبيعة المسيح عن طبيعة مريم عن علاقة المسيح مع الله هل هو نبي مرسل ام هو ابن الله واصبح فرق في فهم المسيحية نفسها لذلك البيزنطيين قالوا: لنبدا عهدا جديدا وطمسوا الفكر الديني السابق ووضعوا حجر أساس في تكوين الدين المسيحي الجديد ..
اصبح هناك شقاق كبير بين الحضارة البيزنطية وبين الحضارة الرومانية حيث الحضارة البيزنطية ركزت اكثر على المسائل الدينية لذلك تخلت عن الهة الرومان وبهذا في القرن الرابع الميلادي اصبح ينشا فكر مقولب عن الدين المسيحي وتساؤلات عن خلد العالم حتى يفهموا ماهية الرسالة المسيحية (ما هو القصد من انه ابن الله وكيف مات وقام في اليوم الثالث وهل صلبوه ام كما ورد في القرآن شبه لهم .. فهذه الأسئلة كانت موجودة في صلب الدين المسيحي وموجودة من الأصل عند الشعوب التي اعتنقت المسيحية كما هو حال البيزنطيية (الدين بين التصور الفكري والتصور العلمي والتصور الذهني لذلك تحول اكثر الى الأبحاث الدينية وتخلوا عن ما اتى به اليونان القدامى مثل فيثاغورث وأرخميديس وحتى افلاطون نفسه كان يقول ان لم تتعلم الرياضيات لن تستطيع من تثقيف عقلك والرياضيات باليوناني ماثيماتكو تعني حسب الترجمة العربية علم التعاليم – لتمرن عقلك على الفكير تعطيه رياضيات يعني الرياضيات ليست حقيقة بذاتها بل لتدريب العقل) اذا الحضارة اليونانية لم تمت بل تقولبت بالفكر المسيحي ورجعت تعيش عبر التفسير الكنسي حيث الكنيسة اعادت قولبتها بالمفهوم الديني واستمرت حتى تزامنت مع الفتوحات العربية الإسلامية في القرن السابع الميلادي واصبح هناك نوع من التعارف بين الحضارات: البيزنطية – العربية والفارسية - العربية والتعارف يطرح تساؤلات (أي حضارة تتعرف على حضارة أخرى ينبثق عن هذا التعارف حوار عن المشاكل الموجودة في كلا الحضارتين ويبدا العمل على حلها وتنشأ حضارة جديدة ، وبما انه كل ظاهرة تحمل أثار ولادتها يمكن القول ان كل حضارة تحمل أثار نشأتها وهكذا نشأت الحضارة العربية الاسلامية.. يتبع
Tags:
سياسة
