محاور الدورة التثقيفية الثانية - رفع سقف التفكير وتوسيع الأفق السياسي

محاور الدورة التثقيفية الثانية :

في اساسات الخلل الفكري تم زرع المصطلحات الهدامة والاشكاليات المفخخة.

الوضع المزري الذي نعيش فيه هو نتيجة وهو انعكاس للخلل الفكري، فهذه ليست المرة الاولى التي تشهد فيه الامة انهياراً شاملاً تستباح خلاله اراضيها وتُنتهك محرماتها لكنها المرة الاولى التي لم تتمكن الامة من تجاوز حالة الهزيمة وتبوء كل محاولات النهوض بالفشل بل وتؤدي الى مزيد من الانحدار والى مزيد من الهزائم وانعدام الرؤية الواضحة بالرغم من الجهود الجبارة والمخلصة المبذولة.

السبب هو تماهي الامور وغياب الرؤية الواضحة وانه تم العبث بالمحددات الاساسية للتفكير السني عبر ضخ مصطلحات ومفاهيم واشكاليات تعمل كفيروسات تدمر الجسم السني من الداخل.

وخطورة هذه الفيروسات الفكرية هو أنه قد تم قبولها كمسلمات وبشكل طبيعي لانه تم ادخالها بطريقة خبيثة في فترة انخفاض الحصانة السنية الى حدها الادنى.

نفتح النقاش حول هذا الموضوع ونباشر عملية البحث لمطاردة هذه الاشكاليات والمفاهيم التخريبية وتحديدها وعزلها وابطال مفعولها.

- مقولة إلغاء المذاهب

احدى المقولات الهدامة هي مقولة اسلام بدون مذاهب اي مقولة اللامذهبية واللامذهبية هي قنطرة اللادينية لان المذهبية السنية هي مدارس علمية استنفذت من اجيالنا السنية المتعاقبة جهود جبارة قام بها علماء افذاذ والتخصص في اي علم من العلوم التي تتكون منها مدارسنا العلمية إن كان في علوم الفقه او علوم العقيدة او علوم التصوف يحتاج الى سنين طويلة من الجهد والمثابرة وإعمال الفكر والعقل لتوسيع المدارك وتهذيب النفوس والارتقاء بها في معارج ومدارج الارتقاء الى الله سبحانه وتعالى.

اللامذهبية تعني السطحية في التفكير وفتح باب اللغو والتنطع امام كل من هبّ ودب من الهوام والعوام حتى ان احدهم يصبح عالماً ومرجعاً مفتياً بمجرد قراءة كتاب او كتابين وحفظ عدة احاديث مما نراه اليوم من الرويبضات التي تسمي نفسها اسلامية.

مقولة اسلام بدون مذاهب يعني هدم كل البناء الفقهي والمعرفي والعلمي السني وضياع الاسلام برمته.

لانه وعلى عكس ما يظن الكثيرون فإن الارث السني لم يتكوّن فقط من إجتهادات انطلاقاً من النصوص اي نصوص القرآن الكريم وما تم توثيقه في كتب الاحاديث بل يرتكز على طريقة حياة المجتمع المسلم كما قام بتنظيمها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قام ايضاً باعادة تشكيل الوعي واعادة إنتاج مجتمع جديد يعمل وفق المحددات الرحمانية. وطريقة عمل المجتمع المسلم كما اسس لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تستمر الى يومنا هذا فتلك امة بعضها من بعض واسوتها منذ مبدأ الامر هو محمد بن عبدالله عليه افضل الصلاة والسلام.

وجدير بالذكر ان المذهب المالكي ياخذ عمل اهل المدينة كاساس فقهي وكذلك فإن المذاهب السنية الاخرى تاخذ بالسنن النبوية المتواترة اي ان السنة النبوية لا تقتصر على ما تم توثيقه من احاديث في كتب الاحاديث انما هي طريقة عمل المجتمع المسلم كما اسس له سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه وامهات المؤمنين وعلى وجه الخصوص ربيبة رسول الله امنا عائشة بنت ابو بكر الصديق رضي الله عنها التي كان لها في المدينة داراً لنشر العلم الصادر من المشكاة النبوية الطاهرة.

ويجب القول ان إختزال السنة النبوية الشريفة بالاحاديث الموثقَة فقط، هو وبكل بساطة هدمٌ لدين الاسلام وإضاعة الارث المحمدي بشكل لا يمكن تعويضه ومن هنا الخطأ الفادح الذي ترتكبه حركة الاخوان المسلمين التي تنادي باسلام دون مذاهب وتختزل السنة النبوية الشريفة بفقه السنة. فعندما يشهد المسلم انه لا اله الا الله ويشهد ان محمد رسول الله فإنه يعلن توجهه وهجرته الى الله متتبعاً خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء به من خلال ما تواتر من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول وفعل يلتزم بها المسلمون عبر الاجيال.

مقولة اسلام بدون مذاهب لم تكن لتلاقي صدى عند النخبة السنية لولا حالة الانحطاط التي قاد اليها المتحجرون والمتعصبون من اتباع او ممثلي المذاهب السنية الاربعة الذين جعلوا من التمذهب سبباً للتشاحن والتضارب والتنازع مع المذاهب الاخرى لدرجة انه كانت تقام في المساجد اربع صلوات خلف اربع ائمة حيث يصلي كل مصلي وراء الشيخ الذي ينتمي لمذهبه.

حفظ الدين وتوارثه كان مهمة العلماء العارفين الذي خلف بعدهم مشايخ جهلة لا يتمتعون الا بملكة الحفظ الببغائي جعلوا المسلمين ينفرون منهم ومن الدين لانهم كانوا سبب تخلف المجتمعات المسلمة مما جعل الحاضنة السنية في كل مكان تحتقرهم وتلفظهم وتتوجه نحو الحركات الاسلامية والافكار الحداثية فالحذر واجب من هذه النوعية الرديئة من المُتَمَشْيِخين التي ستطل برأسها وستعمل على تحجيم الحراك والنهضة السنية الى مستوى جهلها وانتهازيتها وستحاول طبعاً الارتزاق على اي نهضة سنية قادمة.

كما يجدر بالذكر الخطأ الذي يرتكبه السلفيون لانهم يختزلون وبشكل ضيق جداً السنة النبوية فقط بالاحاديث الموثقة ويعملون على تفكيك المنظومة الاجتماعية السنية بحجة معارضتها لهذا او ذاك الحديث حتى لو كان ضعيفاً كما ان الخطورة انهم ياخذون بالاحاديث في العقائد.

يجب على الجميع ان يعلم ان الاحاديث النبوية اتت في سياق تعبيري اشمل من الحديث المقتطف وفي سياق اجتماعي تاريخي يجعل من الصعب جداً فهم الحديث بروحيته لان مقاربة النصوص بعد اربعة عشر قرناً من الزمن تحمل مجازفة الابتعاد عن روحية الحدث والنص وكذلك لا يمكن استبعاد احتمال قصور الفهم في عصر النبي لكن مع فارق كبير يتأتى من حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهراني الصحابة وكان بإمكانه التصحيح والتأكد من الفهم السليم لقوله او لعمله.

لذلك فان بناء طريقة عمل المجتمع السني تم تحت نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت مراقبته وهذه الطريقة متواترة ومتوارثة كما هي دون نقصان او زيادة وان آليات تصحيح اي انحراف مطبوعة في وجدان الانسان المسلم.

لذلك يجدر بالاخوة السلفيين و الاخوان المسلمين اعادة النظر في مقاربتهم المنهجية للسنة النبوية وان ينتظموا في حركة الامة ليكونوا جزاً من نهضتها وان يكفوا عن عزل انفسهم عن الحراك الشعبي السني وراء اطرهم التنظيمية العازلة ووراء مناهجهم التي ثبت بالتجربة قصورها. وعليهم ان يعيدوا النظر في طريقة تعاملهم مع الحاضنة السنية وان يعلموا جيداً ان وعي الحاضنة السنية متقدم على وعيهم ووعي النخبة السنية التليدة.

- مقولة الاعجاز العلمي

القرآن ليس كتاب علوم طبيعية او كتاب فيزياء او كيمياء انما هو كتاب هداية، مما قررته فاتحة سورة البقرة "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين" فالقرآن كتاب هداية للذين يؤمنون بالغيب.

القول بالاعجاز العلمي للقرآن فيه اجحاف بحق كتاب الله لانه يضمر الاستدلال بالاكتشافات العلمية المزعومة او الحقيقية على صحة كتاب الله.

كما ان القائلين بالاعجاز العلمي في القران غالباً ما يقومون بليّ اعناق الآيات القرانية لتناسب استدلالاتهم متجاوزين كل الاصول التي وضعها علماء اهل السنة في التفسير ومتجاوزين عن قواعد اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم والتي بها يُفهم.

الاعجاز العلمي يفتح باب العبث بعقول المسلمين لناحية توجيه إهتمام الانسان المسلم نحو مقاربة عقلية مادية على حساب البعد الروحي وعلى حساب التعمق بآيات الله.

لا شك ان كثير من الايات مليئة باشارات على ظواهر الكون وعلى كثير من دقائق الامور الكونية والتي تأتي دائماً في سياق مقاربة امور تساعد القارئ المتمعن على فهم الايات الكريمة وعلى النفاذ من اقطار العلوم والمعارف.

كما ان وراء كل اشارة قرآنية تسلسل معرفي يبدأ من المحسوس ويتجاوز الى غير المحسوس اي ان تسلسل الاشارات القرآنية يمتد من عالم الشهادة الى عالم الغيب. ولا يتتبع هذه المسالك الا الضالعون بلسان العرب ومن فتح الله عليهم من درجات الايمان والوعي.

المرور على الاشارات التي تصف ظواهر الكون ومما يمكن الوقوف عندها كحقائق علمية ليس بالامر المرفوض فذلك يزيد من فهم سياق الاية ويُغذي ملكة التفكر بخلق الله كما ان اي استزادة من العلم مهما كان نوعها هي زيادة في البركة ولكن عرض الامور وكأن الاشارة لما يمكن اعتباره حقيقة علمية هو منتهى ما ترمي اليه الآية فيه تسطيح للفهم وإقفالٌ للمنافذ الايمانية التي تزخر بها ايات القرآن الكريم.

في زمننا هذا تخصص الكثيرون في تتبع الاشارات العلمية في الآيات القرانية ويقدمون للناس رؤية تعسفية عبر تحجيم قيمة القرآن الكريم الى مستوى فهم مادي يستدلون بها على صحة القرآن و ينسفون كل قواعد التفسير التي اجتهد بها الاف العلماء عبر العصور. كما ان الخطورة في ما يبثه هؤلاء المتخصصون يكمن في جهلهم بعلوم الدين وخاصة انواع التفاسير ومحدودية مستواهم العرفاني وبالتالي فان المسلمون الذين يتشكل وعيهم على ايدي هؤلاء هم ضحايا لعملية التسخيف والتبسيط والجفاف الروحي.

وهل الانسان المسلم بحاجة الى التأكيد على ان القرآن هو كلام الله ؟!

كما ان الاعجاز العلمي نصل ذو حدين لان الاكتشافات العلمية لبني الانسان تتطور وتتقدم باستمرار والمسلمات العلمية يتم تجاوزها من خلال الاكتشافات الجديدة.

ان الطريقة الصحيحة لاي علم مستجد هو ان يأتي في سياق المنظومة العلمية التي اسس لها علماء اهل السنة والجماعة عبر مئات السنين وليس على انقاضها، لان الاسلام هو دين وليس ايديولوجية او فلسفة او برنامج للترفيه عن النفس.

- سؤال لماذا تاخر المسلمون وتقدم الغرب

هذا سؤال خبيث تم طرحه في بدايات عصر الانسلاخ (او ما يسمى تعسفاً عصر النهضة)، لأن في ايحاءات واستطرادات هذا السؤال هو نقل ميزان التقييم الى خارج المنظومة الحضارية السنية بدل طرح السؤال عن سبب تقهقر المسلمون بالنسبة لما كانوا عليه و بالنسبة للوضع الطبيعي الذي يجب ان يسود في المجتمعات السنية.

لا شك ان التطور العلمي للغرب والحركة الفلسفية التي ازدهرت جعلها تتقدم بالصناعات العسكرية وتنظيم جيوشها وعزز نزعتها التوسعية لاقتحام الكرة الارضية بكاملها مستفيدة من تفوق عسكري هائل بالنسبة لشعوب الارض قاطبة وخاصة الشعوب التي يتشكل منها الحيز الحضاري السني.

انه خطا فادح ان يتم ترحيل سلم التقييم الذاتي الى خارج المنظومة الحضارية لانه اعتراف بعدم اهلية هذه المنظومة وبالتالي وجوب تغييرها والانتقال الى منظومة حضارية اخرى.

اذا كان انجرار الكثير من النخب السنية ووقوعها في هذا الفخ كان نتيجة قصر النظر فان هناك من امسك وروّج لهذه المقولة عن تخطيط خبيث، الهدف منه هو ضرب المقومات الذاتية للحضارة السنية وبالتالي اخراج الاسلام من السياق الانساني.

هذا السؤال المغلوط فتح الباب وبشكل طبيعي ومنطقي لأولى الاثافي وهي شعار الاصلاح الديني والذي يعني هدم كل البناء العلمي والحضاري الذي انتجته الامة خلال اكثر من عشرة قرون وتدمير حصانتها الذاتية واعادتها الى مرحلة الطفولة العلمية بدون اي ادوات تحميها وتحمي عقيدتها ودينها من الشبهات.

من اوائل من اصّل لطرح هذا السؤال هو الدرزي شكيب ارسلان عبر كتاب نشره عام ١٩٣٠ والفكرة الاساسية اتت من اوائل من طرح هذا السؤال المغلوط وهو رشيد رضا (عراب حسن البنا) الذي قام بحّث الدرزي شكيب ارسلان على تأليف كتاب حول هذا الموضوع.

فالاطلاع على كتاب ارسلان وعلى الاسباب التي ذكرها وهي (الجهل، العلم الناقص، فساد الأخلاق، فساد أخلاق الأمراء بنوع خاص، الجبن والهلع، اليأس والقنوط من رحمة الله، الجمود على القديم.، فقدان الثقة بالنفس، فساد الحكام والعلماء)، يظهر بشكل واضح المستوى التافه والسخيف لخطاب ارسلان والذي كان يعتبره رشيد رضا (عراب حسن البنا) علماً من اعلام المسلمين وهو الذي يتقن بالكاد خطاباً وعظياً فارغاً لا يسمن ولا يعني من جوع.

- الاصلاح الديني

الاصلاح الديني يعني وبكل بساطة فتح باب العبث بالدين. مقولة الاصلاح الديني تعني ضمناً ان ما تم بنائه عبر قرون وعلى ايادي الافذاذ من العلماء الاجلاء هو بناء فاسد يجب اصلاحه.

مآلات هذه المقولة هي كما انك تطلب من شخص ما الخروج من بيته وتدميره للبقاء في العراء بحجة ان بيته قديم ويحتاج الى ترميم.

او كأنك تطلب من انسان ما نزع ثيابه والبقاء عارياً بحجة ان ثيابه قديمة او غير جميلة ليبقى عارياً معرضاً لغوائل الطقس وعار العريّ.

الاصلاح الديني بدأ في اوروبا مع "لوثر" الذي قام بترجمة الكتاب المسيحي المقدس الى اللغة الالمانية بما كان يعتبر هرطقةً بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية، وبالطبع فان وراء عمل لوثر هذا كان يوجد التشجيع الضمني والخفي للامراء الالمان الذين كانوا يسعون للتفلت من نير الفاتيكان.

بناء الدين المسيحي في اساسه بناء دوغمائي سياسي لا يرتكز الى الوحي ولم يتم صياغته تحت اشراف نبي كما كان الحال مع انبياء الله موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام. لذلك فإن القيام باسقاط حيثيات السياق المسيحي على الاسلام فيه مغالطة وعبثية منهجية وعدم فهم بالاسلام وبالمسيحية.

فمنذ عصر البعثة حتى بدايات التقهقر اتبع المسلمون آلية استطرادية للتعمق واستحداث العلوم والنفاذ من اقطارها هذه العلوم التي تعتني بعالم الشهادة وبعالم الغيب ضمن نظرة جامعة لمختلف سياقات وجود الانسان كفرد وكجماعة في اطار الغائية التي عبر عنها القرآن الكريم والتي قام الرسول الكريم بتوضيح وتجذير متطلباتها في آلية عمل المجتمع المسلم.

اذا اردنا ان نتحدث اليوم بلغة العصر الحاضر الذي طبعت محدداته المنظومة القيمية الغربية كما اوضحناه في بحث السياق الحضاري للنهوض السني، واذا اعتبرنا ان مختلف الاديان والفلسفات والاخويات العرفانية هي عبارة عن برامج تدريب للانسان لملائمة وجوده الدنيوي ومستقبل مساره الاخروي اي بعد الانتقال للعالم الاخر فالاسلام السني هو ارقى واعظم واكمل واضمن برنامج تدريب يتيح للانسان بالفوز في الدنيا وفي الاخرة.

( انظر في هذه المدونة بحث من هم اهل السنة والجماعة / الدورة التثقيفية الاولى)

انه لفخر لاهل السنة والجماعة ان يبنوا على ما اسس له رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم منظومة دينية متكاملة دنيوياً وروحياً وايمانياً وارتقائياً في معارج ومدارج التراتبية الغيبية التي تحدد منزلة النفس اي منزلة كل نفس انسانية بحسب تجربتها الدنيوية.

محور المنظومة السنية هما الصلاة والزكاة (الفلاح) :

<< وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10) >>

وصولاً الى :

 ((يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي))

مسلسل معاوية: بعبع "الاجماع" بين العقل والنقل وبين الابتداع والاتباع!

الموضوع سياسي والصراع على السلطة يقتضي التمويه على الاهداف الحقيقية عبر استخدام قناع "فتنة، مؤامرة، إرهاب، انقلاب"

أمثلة على تهافت "بعبع" الاجماع بين الحاضر والماضي:

في عصرنا الحاضر - اجماع علماء الأمة "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" بيان القاهرة بتاريخ 13/6/2013 يدعو للجهاد في سوريا بعد اندلاع "الثورة السورية" على الشيعة والنصيريين بقيادة بشار أسيد السفاح ( وقد وقع على البيان ممثلو 76 هيئة دولية، على رأسها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والإخوان المسلمون ورابطة علماء الشام واتحاد علماء أفريقيا وهيئة علماء المسلمين بالعراق والمؤتمر الدولي لنصرة الشعب الأحوازي) : اجماع تافه ومتهافت ! ما هو الاثر الفعلي لهذا الاجماع وماذا عن باقي الطغاة الحكام الذين يحكمون الدول العربية والإسلامية!

في الماضي - اجماع علماء الأمة "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" بيان نسخة بغداد في القرن الثالث الهجري بعد انتصار "الثورة العباسية" على الامويين في  "الانقلاب الثالث بعد معركة الزاب الكبرى" بقيادة أبو العباس السفاح مؤسس الدولة العباسية وقائد نبش قبور خلفاء الدولة الاموية واستباحة أهل الشام (وكما ان المنتصرون يكتبون التاريخ فقد صمموا  "اجماع" مزعوم برعاية أبو العباس السفاح قائد الحلف السبئي العباسي مفاده:  الحق كان مع سيدنا علي في الانقلاب الثاني السبئي "معركة الجمل ومعركة صفين" وأمنا السيدة عائشة أم المؤمنين أخطأت وسيدنا طلحة أخطأ وسيدنا الزبير أخطأ وجيش الشام بقيادة سيدنا معاوية هم "البغاة").

تهافت هذا "الاجماع" كونه يخدم الحلف الشيطاني السبئي وشرعن للشيعة والمجوس والفرس شتم وتكفير صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام (أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين) وصولا إلى التطاول على السيدة عائشة واتهامها في عرضها وقول الشيعة "عائشة في النار" والعياذ بالله حتى وصل الشيعة إلى الشرك وتأليه سيدنا علي وجعله "قسيم الجنة والنار" .

وكل ذلك استنادا إلى "اجماع" النسخة العباسية من  "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" يعني اجماع من حضر من العلماء خوفاً او طمعاً في موضوع سياسي جوهره الصراع على السلطة  وتأييداً "لانقلاب شيطاني" شرّع الابواب امام الاختراقات الشيعية والمجوسية وامام الحلف السبئي وسمح بالتطاول وتكفير وشتم صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام والتعرض لحرمة السيدة عائشة أم المؤمنين !!!

في الحاضر - اجماع علماء الأمة "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" بيان الدوحة فتوى بتاريخ 06/09/2020 (تحريم الصلح والسلام مع إسرائيل والتطبيع مع اليهود محتلي الأقصى والقدس وفلسطين). فقد تهافت هذا "الاجماع" لأن أغلب الدول العربية والإسلامية التي وقع علماؤها على بيان هذا الاجماع اقامت علاقات مع إسرائيل (مصر، الأردن، المغرب، الامارات، قطر، موريتانيا، السودان، البحرين، تركيا، اندونيسيا، أذربيجان، كازاخستان، أوزبكستان، الخ) وبالمقابل هناك فتاوي لعلماء اخرون بجواز السلام مع إسرائيل والتحالف مع اليهود ضد الشيعة والنصيرية بزعم موضوع المسجد الأقصى والقدس واحتلال فلسطين "موضوع سياسي" وليس موضوع دين وعقيدة وفقه ولا ينطبق عليه "بعبع ماااع" الاجماع !!!

في الماضي و الحاضر والمستقبل كان ومازال وسيبقى مخرز في عين "بعبع" الاجماع هذا السؤال:

السُّؤالُ: هل يَصِحُّ الاستِدلالُ بتَعامُلِ الرَّسولِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - مع اليهودِ وعَقْدِه الصُّلحَ معهم، على جوازِ التَّطبيعِ مع اليهودِ في هذا العَصرِ (ما يُسمَّى دولة إسرائيل) والتبادُلِ التِّجاريِّ معهم، وهل هذا مِن جِنسِ الصُّلحِ المذكورِ في كُتُبِ الفِقهِ؟

قد يقول بعض الحمقى أن "علماء الامة" في الماضي غير "علماء الأمة" في الحاضر ونقول لهم لا فرق بينهم ونرد عليهم بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام حيث روى الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ).

والمقصود من هذا الحديث أن الله عصم علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الاجتماع على أمر باطل .

وهذه العصمة إنما هي لجميع علماء الأمة في أي عصر من العصور ، وأما اتفاق بعضهم أو أكثرهم على أمر ما فليس بمعصوم من الخطأ.

المقياس في الامور السياسية هو مصلحة الامة والتحجج بالاجماع العباسي الذي اضفى بالاكراه شرعية كاذبة على الانقلاب الثاني السبئي هو بمثابة اضفاء شرعية على حرب الابادة الشيعية ضد اهل السنة.

- اشكاليات العقل العربي (المزعومة) لتدمير الثقة بالذات

من المقولات الخبيثة التي كان ولا يزال يرددها اصحاب الطروحات المشبوهة هو ان هناك مشكلة في العقل العربي وقد اصبحت هذه المقولة كثابتة في عقول الناس من كثرة تردادها من مفكريّ عصر الهزيمة الذين اسقطوا ازمتهم العقلية على العقل العربي برمته.

هدف هذه المقولة عندما لا تنتج عن احباط ويأس هو تدمير ثقة الانسان العربي بنفسه وبقدراته العقلية. اصحاب هذه المقولة لم يقوموا باي مقارنة بين العرب كشعب وبين الشعوب الأخرى ليبينوا لنا المزايا التي تتمتع بها الشعوب الاخرى مقارنة بالشعوب العربية والتي احتفظت بمعظمها بمستوى عالٍ جداً من القيمة الذاتية بالرغم من وجود العرب في اسفل نقطة في دورتهم الحضارية، ولو تعرض اي شعب من شعوب العالم لما تعرضت له بعض الشعوب العربية لانزلق الى مستوى بهائمي وتفككت اواصره.

الازمة هي في عقول هؤلاء المفكرين الذين لم يفهموا السياق التاريخي الحضاري للعرب ولم يفهموا السياق التاريخي للهزيمة والذين ملئوا رؤوسهم بنفايات الفكر الغربي.

اسماء هؤلاء كبيرة وطنانة ورنانة تفتح لها كل المنصات الاعلامية وتُلصق بهم كل الاوصاف والنعوت الفخمة وهم ليسوا اكثر من افخاخ للنفوس الضعيفة والعقول الحائرة التي تحسب سرابهم ماءاً.

المشكلة الاساسية عند القائلين بازمة العقل العربي هي مقاربتهم تاريخ الحضارة العربية السنية من الزاوية السياسة ومن تسلسل احداث الصراع على السلطة وهذه بحد ذاتها نظرة شيعية مجوسية هدفها تشويه التاريخ العربي وتصوير هذا التاريخ بأبشع صورة عبر اختلاق الاكاذيب ولصقها بالصحابة وبالدولة الاموية. بعد هزيمة الامويين في معركة الزاب والتي نتجت عنها استباحة الفضاء العربي المسلم تم تزوير التاريخ على ايدي مؤرخي هذه الحقبة وجلهم من الشيعة والسبئيين اي اعداء العرب والامويين والاسلام.

سيطرة الحلف العباسي السبئي على مقاليد الدولة دفع بالغالبية العظمى من العلماء المسلمين الى تبني الروايات الرسمية العباسية واضفاء صفة الاجماع عليها بعد تخريجها تحت طابع شرعي تقيةً وتجنباً للاضطهاد والقمع العباسي خاصة بعد ان نتج عن نجاح الانقلاب الثالث قيام دول سبئية متعددة.

لقد اضفت الرواية الشيعية على الفعل السياسي العربي طابعاً دينياً عقائدياً مقدساً من اختراعهم يحاكي العقلية الفارسية المجوسية.

فعلى عكس التاريخ المجوسي الفارسي والنصراني البيزنطي الذي يمكن اختزاله بالصراع السياسي وبالمؤامرات والمكائد والخيانات فإن التاريخ العربي السني هو تاريخ حضارة متكاملة الابعاد وحركة مجتمعات وشعوب انتجت بنُى ثقافية وعمرانية وفنية لا تزال اثارها باديةً للعيان حتى اليوم اضافة الى انتاج اكبر ارث علمي في تاريخ البشرية وصياغة منظومة علوم متكاملة لم ولن يرقى اليها اي جهد بشري لأن ظروف انتاج هذه المنظومة لا يمكن تكرارها.

هزيمة معركة الزاب وانهيار الدولة السنية العربية التي قادها خلفاء بني امية العظام والتغلغل السبئي في الهيكلية السياسية للدولة عبر تحالفهم العضوي مع بني العباس، دفع علماء المسلمين الى التأقلم مع هذا الواقع وانتاج منظومة مسلمات بتخريج شرعي يوافق الروايات الشيعية باقل تنازلات ممكنة ولكنها تحمل القبول بالكثير من الافتراءات الشيعية على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى بني امية.

وكان يجب الانتظار قرون طويلة قبل ان يبدأ علماء اهل السنة والجماعة بالتعرض للمسلمات التي انتجها عصر التحالف العباسي السبئي ولكن الامور لم تذهب بعيداً بما فيه الكفاية خاصة وان هذه المسلمات كانت تشكل الوعي السني لمدة قرون طويلة. لكن اللبنات قد تم وضعها نذكر منها اسهام ابو حامد الغزالي الذي اعتبر ان ذم امير المؤمنين يزيد بن معاوية رضي الله عنه هو بداية طريق التشيّع، كما كان لابن تيمية اسهامه في هذا الاتجاه ولغيرهم من علماء المسلمين ونذكر منهم ايضا ابو بكر بن العربي.

لقد اقام الاختراق السبئي تحت الغطاء العباسي اصناماً من خلال صناعة شخصيات خرافية لبعض الصحابة وخاصة الصحابي الجليل علي بن ابي طالب ولذريته من ابنه الحسين مع السبية الفارسية.

والصقت بسيدنا علي وابنه حسين خرافات ومعتقدات شركية وخرافية تسيئ الى سمعتهم واذا كان هناك حديث نبوي شريف ان الميت يعذب ببكاء اهله فكيف بسيدنا الحسين رحمه الله الذي تقام عليه المناحات على مدار السنة وتقام على ذكره طقوس اللطم والتطبير بالسيوف. فانه من حق سيدنا علي على اهله وربعه وهم اهل السنة والجماعة انقاذه وابنه الحسين من استحضار ذكراهم في هذه الطقوس المجوسية. الواجب السني اليوم اتجاه سيدنا علي وابنه الحسين هو رد الاعتبار لهما ونسف هذه التوليفة التوافقية التي تعطي الشرعية للروايات السبئية وتمهد الطرق امام حركة التشيّع خاصة واننا على اعتاب دورة حضارية سنية جديدة لم يبقى امامها الا عقبة واحدة وهي العقبة السبئية التي تستمد شرعيتها مما تمكن السبئيين من دسه في كتب اهل السنة والجماعة.

باختصار فانه من واجب اهل السنة والجماعة فك الارتباط بين الشخصية التاريخية لسيدنا علي وابنه الحسين مع الشخصية الخرافية التي صنعها الشيعة والمجوس اعتماداً على الاكاذيب والاختلاقات المدسوسة في كتب اهل السنة.

الوعي السني اليوم وصل الى مرحلة من النضوج والاصالة كما ان المنظومة الدينية السنية هي من المتانة والتماسك والتكامل لدرجة تسمح وبكل بساطة اقتلاع الاختراقات السبئية من الرؤية السنية واعادة الاعتبار الى الحقبة الاموية المشرّفة واعتبار ان المس بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وامهات المؤمنين بمثابة اعلان حرب على الاسلام ونعت كل من يتطاول على امنا عائشة رضي الله عنها بالدياثة والخروج من اهل السنة والجماعة.

خلال مقاربتنا لإشكالية ذم العقل العربي، تقفيّنا خطى سيدنا ابو بكر رضي الله عنه الذي رفض الخوض في تفاصيل الانقلاب الشيطاني الاول انما نبذ الى امة الكفر على سواء، لان تطهير العقول السنية من الاختراقات السبئية يجفف منابع التشيّع ويقضي على اسس كل الانحرافات التي عانى منها الاسلام، فهذه الاختراقات هي التي اسست لما يسمى بالاسلام السياسي وهي التي وفرت المادة الدسمة المزيفة لكل النظريات والفلسفات والايديولوجيات والتحليلات المسيئة للدين الذي ارتضاه الله لعباده ولخير امة اخرجت للناس.

انصدق القرآن ام نصدق الاكاذيب الشيعية ؟

كما انه من واجبنا تحرير ذكرى سيدنا علي وابنه الحسين من الاوحال الشركية وعلينا ان نتذكر الجرح الغائر في وعينا كمسلمين مما تعرض له سيدنا عثمان رضي الله عنه ومما تعرض له سيدنا علي وسيدنا الحسين. فنحن اهل السنة والجماعة امة بعضها من بعض يربطنا حبل المودة والتراحم كما وصفنا ربنا عز وجل في محكم اياته :

وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ.

- شعار الوحدة الاسلامية

شعار الوحدة الاسلامية هو الغطاء الامثل للاختراقات على انواعها وفتح الباب واسعاً للاعداء للانقضاض من داخل الجسم السني لتدميره. شعار الوحدة الاسلامية يعني هدم ما تبقى من سياج الحصانة السنية والقبول بحالة التسيّب كحالة طبيعية.

هو الاستراتجية التي اعتمدها المشروع الشيعي السبئي لاختراق الجسم السني.

خطورة الاختراق الشيعي داخل الجسم السني انه بامكانه الارتكاز على ما تم دسه في متون الكتب السنية خلال فترات التسيّب من احاديث مكذوبة وتاريخ مزوّر.

فمآل شعار الوحدة الاسلامية هو تراجع واسترخاء العصبية السنية امام حالة التشنج والاستنفار الشيعية التي يأتي في سياقها ميليشيات الاجرام السبئية.

خلال زيارته التي دنس خلالها الازهر الشريف في عهد الرئيس الاخونجي المرحوم محمد مرسي بدا واضحاً وظيفة شعار الوحدة الاسلامية عندما كان المجوسي الايراني يطلب من الشيخ الازهري الكلام عن الوحدة الاسلامية بدل تعداد الجرائم الشيعية في البلاد التي وقعت تحت النفوذ السبئي.

والمفكرين والمشايخ السنّة الذين انخدعوا بهذا الشعار وشاركوا بفعاليات هذا الحراك، لم يلبث ان تكشّف لهم خطورة هذا الشعار وتراجعوا عن السير به واخذوا يحذرون المسلمين من هذه الخديعة واخص بالذكر المرحوم الشيخ القرضاوي والمفكر السياسي عبدالله النفيسي.

الانتماء السني والهوية الحضارية

‏هذا البحث المختصر ياتي ليختم الدورة التثقيفية.

قبل الخوض في صلب الموضوع لا بد من توضيح بعض الامور.

مسألة الانتماء :

داخل كل شخص تتقاطع دوائر انتماءات متعددة وبدرجات متفاوتة وكل انتماء هو الجزء الظاهر من حيز ثقافي له خصوصيته.

فداخل الانسان السوري مثلاً تتقاطع الانتماءات الاساسية التالية فهو :

سوري

عربي او كردي

مسلم او مسيحي

شيعي او سني

طبعاً، هذا اذا اكتفينا بذكر الانتماءات الاساسية وتجاوزنا عن الانتماءات الضيقة الجغرافية او بقايا الاثنيات او التقسيمات والفرق الدينية التي يتشكل منها كل دين او مذهب، السني مثلا يمكنه ان يكون صوفياً، سلفياً، او اخوانياً، وهذه الانتماءات هي بحد ذاتها تشتمل على انتماءات اكثر تحيزاً وتخصصاً.

اذاً ليست كل الانتماءات بنفس الاهمية والتاثير، فهناك انتماءات اساسية وانتماءات ثانوية.

وهناك انتماءات مؤسِسَة، اي انتماءات يُبنى عليها الهوية الحضارية او السياسية.

وكل انتماء هو جزء من ثقافة او يحتوي على ثقافته الخاصة به.

سياسياً هناك انتماءات بحجم ناحية صغيرة او بحجم دولة او بحجم منطقة تضم عدة دول.

وهناك انتماءات بحجم حضارة.

هناك انتماءات ضيقة على مستوى جماعة صغيرة من الناس ذات خصوصية محدودة وهناك انتماءات واسعة ورحبة على مستوى قارات بل على مستوى الكرة الارضية بكاملها.

وهنا يجب التمييز بين الانتماءات ذات المكنون الحضاري والانتماءات الرديفة التي تحتاج الى انتماء اكبر يحتوي وجودها.

الانتماءات الثانوية تبقى في دائرة معينة ولا ترتقي الى مستوى ان تشكل هوية قائمة بحد ذاتها والانتماءات الاساسية لديها من الزخم ومن القوة والمحتوى مما يمكنها من ان تشكل هوية خاصة ترتكز على انتماء مؤسس وتحتوي على انتماءات ثانوية.

اذاً مآل الانتماء في ارقى اشكاله هو ان يشكل ركيزة لهوية حضارية او بعبارة اخرى انتماء بحجم حضارة.

هناك نوعان من الحضارات، حضارة الانفتاح وحضارة العزلة.

 حضارة الانفتاح هي الحضارة التي لديها القدرة على احتواء الثقافات والهويات والانتماءات الاخرى وتفرض محدداتها الثقافية والدينية والفلسفية.

حضارة العزلة هي الحضارة التي لا تملك محدداتها الثقافية والفلسفية والدينية القدرة على تلقيح او احتواء او فرض او نشر محدداتها خارج اطارها.

التاريخ الانساني الذي يرسم الخط البياني لتطور التجربة البشرية على الارض يحدد حضارتين تتعاقب بينهما دورات السيطرة والهيمنة.

التاريخ الانساني اي تاريخ التجربة البشرية مكوّن من تعاقب دورات سيطرة هاتين الحضارتين، اي ان كل دورة تكون محكومة بمحددات الحضارة المسيطرة او المهيمنة.

ويتطابق تعاقب هيمنة هاتين الحضارتين مع تعاقب دورتان مستمرتان منذ بداية الخلق :

دورة الرحمن ودورة الشيطان.

لدورة الرحمن اهلها ومحدداتها الرحمانية.

لدورة الشيطان وقودها ومحدداتها الشيطانية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم