موقعة الجمل : انتصار الجيش السبئي ومحاولة سبي عائشة أم المؤمنين

موقعة الجمل وليست معركة الجمل لانه لم تحدث معركةً بالمفهوم الكلاسيكي التقليدي لكلمة معركة، ان ما حدث هو عملية خداع وغدر من قبل جيش علي بن ابي طالب (طبعاً بدون علمه وموافقته !!)

القصة من بدايتها هو خروج جيش من المدينة بقيادة طلحة والزبير قوامه الف رجل التوجه الى البصرة لمطالبة القبائل العربية بتطهير صفوفها من قتلة عثمان بن عفان واخضاعهم للقصاص العادل واستئصال شافة الانقلاب السبئي خاصة بعد ان انفضحت اهداف هذا الانقلاب الديني الباطني وان المطالب السياسية التي رفعها الانقلابيون كانت لذر الرماد في العيون والتعمية على هدفهم الحقيقي وهو القضاء على الاسلام واهله.

القوة العسكرية التي جمعها طلحة والزبير لم تكن جيشاً بكل المعنى فهي اقرب الى قوة شرطة تتحرك بشرعية امر واقع وتحت غطاء هذه الشرعية تجاوبت قبائل البصرة وتم القاء القبض وعقاب المئات من البغاة السبئيين ولم يفلت منهم الا شخص واحد التحق بجيش علي ثم انقلب عليه وقُتل فيما بعد في النهروان في الموقعة التي قام خلالها علي بابادة المتمردين عليه من جيشه.

بعد قتل عثمان وسيطرة البغاة السبئيين على المدينة واجبارهم اهلها على مبايعة علي بن ابي طالب سادت حالة من الالتباس وعدم وضوح الرؤية وظهرت واضحة جلية معالم الانقلاب السبئي ومفاعيله على الارض وكان هناك غموضاً كبيراً بما يخص موقف علي من البغاة هل هو غير قادر على الاقتصاص منهم، هل هو متعاطف معهم او خائف منهم ومما زاد الغموض بما يتعلق بموقف علي مبادرته السريعة لعزل الولاة وتعيين قادة البغاة السبئيين مكانهم وهذا يعني وقوع الدولة باكملها في يد الانقلابيين السبئيين وبشكل خاص وهنا الخطر الاكبر وقوع نسخ القرآن الكريم التي ارسلها عثمان الى الانصار تحت سلطتهم بما يتبع ذلك من مخاطر ابدال النسخ العثمانية بنسخ محرفة او ضياع القران باكمله ليجد المسلمين انفسهم في نفس وضعية المسيحيين الذين لا يملكون الا الاثر الروائي الذي يمكن التلاعب به بسهولة فائقة.

ووجد المسلمون انفسهم في وضع خطير جداً لم يحسبوا له حساب، فالاسلام بخطر وقد احكم الاخطبوط الشيطاني اذرعه على خناق دولة المسلمين. لذلك تحركت ما يُصطلح على تسميته اليوم بالدولة العميقة لانقاذ الموقف قبل فوات الاوان بشخص اكبر شخصيتين فيها وهم اعضاء في مجلس الشورى ومبشرين بالجنة طلحة والزبير ولم يذكر التاريخ اي تحرك لسيدنا سعد بن ابي وقاص الذي كان في ذلك الوقت رجلاً طاعناً بالسن وهو الذي قاد معركة القادسية التي دمر خلالها ما تبقى من جيش الدولة الساسانية وارسلها وجيشها دفعةً واحدة الى مزبلة التاريخ.

كان طلحة والزبير وقد بايعَا علياً تحت تهديد السيف (ويبدو ان علي نفسه قبل البيعة تحت التهديد!!) يحاولان دائماً مع علي (وقد نصبه البغاة خليفة) لتحديد موقفه من الانقلاب وحثه على التحرك للاقتصاص من القتلة الذي كانوا في حالة ضعضعة بعد مقتل عثمان فقد كان اكثرهم من الغوغاء والهامشيين الذين غُرر بهم وقام الكثير منهم بالالتحاق بقبائلهم. اي ان الفريق السبئي كان في حالة إرباك بعد مقتل عثمان وكان يحتاج الى الوقت ليعيد تنظيم صفوفه.

وكان هناك سباق بين الانقلابيين وبين المسلمين والرابح هو من يتمكن من اخذ زمام المبادرة والتحرك اولاً ومن هنا كان إلحاح الصحابة على علي بوصفه الخليفة المعيّن لكي يعلن موقفه بصراحة ويسحب الشرعية من الانقلابيين ويبادر الى استئصال شافتهم وتطهير ارض المسلمين منهم، لكن ردود علي كانت مائعة وتوحي بالتردد والخوف بل وبادر الى عزل الولاة الثقاة ليوليّ مكانهم  رجالاً من البغاة واضعاً كل الدولة تحت سيطرتهم.

امام عجز علي او تردده او عدم قدرته كان لا بد الامة ان تتحرك من خلال اعلى سلطة شرعية فيها قبل فوات الاوان وضياع الاسلام واهله وكانت هذه السلطة ممثلة بطلحة والزبير عضويّ مجلس الشورى واعتزال سيدنا سعد لاسبابه الخاصة.

والتجأ المسلمون الى أمنا عائشة رضي الله عنها التي اضفت شرعيتها وبركتها كأم للمؤمنين لهذا التحرك وخرجت مع القوة العسكرية التي شكلها طلحة والزبير لتجمع حولهم قبائل المسلمين العربية كما ارسلت الى سيدنا معاوية في الشام تطلب منه الخروج لمًا خرج له طلحة والزبير.

والسيدة عائشة أم المؤؤمنين كانت تقابل حيث ارتحلت بالاحترام وبالسمع والطاعة فهي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت ابو بكر الصديق رضي الله عنه والعالمة الفقيهة التي يأخذ منها المسلمون شطراً من دينهم.

وتوجه طلحة والزبير الى البصرة التي تلقتهم قبائلها بالترحاب وبالسمع والطاعة وبالاحترام الذي يليق بأمهم وآزروا جيش طلحة والزبير في ملاحقة وتسليم ومحاكمة وعقاب البغاة.

وبعد البصرة توجه طلحة والزبير. بقوتهم العسكرية الى الكوفة لطلب المؤازرة من قبائلها لملاحقة واعتقال ومحاكمة ومعاقبة البغاة.

لنعود الى المدينة الذي وضع حداً لتردده وخرج بقوته العسكرية وانضم اليه عدة الاف من بغاة الكوفة وتوجه لقطع الطريق على جيش طلحة والزبير على مشارف البصرة.

واستبشر المسلمون خيراً فها هو الخليفة يحسم امره ويخرج للاقتصاص من قتلة عثمان ويسير للاجتماع بطلحة والزبير لاجتماع كلمة المسلمين والتقى علي بطلحة والزبير وكان بينهم الاتفاق والتوافق وبشر طلحة والزبير المسلمون في معسكرهم بان الامور على ما يرام وان الخليفة سيأخذ بزمام الامور ونام المسلمون في معسكرهم آمنين مطمئنين مستبشرين ليفيقوا على ضربات السيوف الغادرة وقد هجم عليهم جيش علي تحت جنح الظلام ودون سابق انذار وبعد ان تلقوا التطمينات من علي وقتل معظمهم شهيداً باذن الله وكانت امنا عائشة رضي الله عنها في موقف صعب اسيرةً بيد قتلة عثمان وما كان يحمله هؤلاء من حقد على عثمان هو نقطة في بحر حقدهم هؤلاء الوحوش البشرية على زوجها صلى الله عليه وسلم وعلى والدها رضي الله عنه.

ولكن علي كان من الحنكة او الحكمة انه منع رجاله من سبيّ أم المؤمنين رضي الله عنها واوكل ابو احد رجاله وهو ربيبه الباغي محمد بن ابي بكر مرافقة السيدة عائشة الى المدينة وحمايتها خلال الطريق وتم قتل طلحة والزبير وابادة معظم هؤلاء الرجال الذين نفروا لنصرة الله ودينه وكان لهم الفضل الكبير في اجهاض الانقلاب الثاني.

وبعد نشوة الانتصار الغادر استكمل الجيش السبئي عدته وعديده ليتوجه الى الشام ارض النسور والسباع حيث الجبال السنية الراسخة وحيث الجبل الشامخ معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه ومعه الشوام وهم خير اهل الارض وبيضة الاسلام.

علي استمد شرعيته من قتلة عثمان وتحرك طلحة والزبير استمد شرعيته من أم المؤمنين.


 

إرسال تعليق

أحدث أقدم